لم يكن عام 2019 مجرد محطة زمنية عادية في التقويم العالمي، بل يبدو أنه كان فاصلًا بين عالمين. منذ نهايته، تسارعت التحولات الكبرى إلى درجة يصعب معها على المتابع أن يستوعب وتيرتها أو يدرك أبعادها الكاملة. فماذا جرى؟ ولماذا يشعر الكثيرون أن ما بعد 2019 ليس كما قبله؟
أول التحولات وأشدها وقعًا على العالم كان جائحة كوفيد-19 التي باغتت الجميع في مطلع 2020، وأعادت تعريف مفاهيم الحياة والعمل والصحة. لم تكن الجائحة مجرد أزمة صحية، بل كانت زلزالًا اجتماعيًا واقتصاديًا هزّ أركان المجتمعات والدول، ففرضت العزلة، وعطلت السفر، وأغلقت المدارس، وغيرت سوق العمل إلى الأبد. ولأول مرة منذ عقود، واجهت البشرية شعورًا جماعيًا بالهشاشة والقلق الوجودي.
ومع الجائحة، تسارع التحول الرقمي بطريقة لم يشهدها العالم من قبل. العمل من المنزل، الاجتماعات عبر الإنترنت، التعليم الإلكتروني، الخدمات الرقمية، الذكاء الاصطناعي... كلها قفزت من كونها أدوات مساندة إلى أنماط حياة رئيسية. لقد دخلنا فعليًا عصر «الواقع الرقمي»، حيث أصبحت الحياة اليومية مرتبطة بالشاشات والتطبيقات والبيانات.
ثم جاءت الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية لتزيد الطين بلة: الحرب الروسية الأوكرانية، التوتر في بحر الصين، اضطرابات سلاسل التوريد، التضخم العالمي، أزمة الطاقة... كل هذه الأحداث كشفت مدى هشاشة العولمة، وأعادت رسم خريطة التحالفات والنفوذ في العالم.
ووسط هذه الفوضى، برزت تحولات في الوعي الجمعي للناس. بدأ الأفراد يعيدون النظر في قيمهم وأولوياتهم. تصاعدت الأصوات المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وبالاستدامة البيئية، وبحماية الخصوصية الرقمية. كما تغيرت نظرة الجيل الجديد إلى العمل، فلم يعد الأمان الوظيفي هدفًا، بل أصبح البحث عن المعنى والتوازن الشخصي أولوية.
نعم، لقد دخل العالم بعد 2019 عصرًا جديدًا؛ عصر تسوده اللايقين، والتغيير المتسارع، والانكشاف الرقمي والإنساني. ووسط هذا العصر، تبقى الحاجة ملحّة إلى إعادة بناء منظوماتنا الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، بما يتماشى مع الواقع الجديد ويضمن صمود الإنسان فيه.
لقد ولّى زمن التنبؤات المستقرة، وجاء زمن التكيّف الذكي. ويبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لهذا العالم الجديد؟
* مدرب الحوكمة والامتثال ومكافحة الجرائم المالية
