قبل 26 عامًا تركزت أنظار العالم متابعًة الجنازة المهيبة لجلالة الراحل المغفور له الملك الحسين بن طلال في مناسبة جمعت من قيادات العالم وزعاماته ما لم تحققه أي مناسبة أخرى في القرن العشرين، وفي وسط المشاعر الجياشة للأردنيين وأشقائهم وأصدقائهم من شتى بقاع الأرض، كانت الأنظار تتطلع وتتابع وترصد الملك عبد الله الثاني الذي بدا متماسكًا في حزنٍ جليلٍ لرحيل رجل من أعظم رجال التاريخ وصانعيه بمسؤولية أخلاقية وإنسانية، وتساءل الكثيرون، مخلصين وصادقين، أو متربصين ومرجفين، عن التحديات الكبرى التي ما لبثت أن فرضت نفسها أمام الملك الشاب في ذلك الوقت.
«وجد ليبقى»، عبارة ما زالت على لسان العالم بعد كل هذه السنوات، فيما يتعلق بالأردن، فالملك عبد الله الثاني الذي تسنم ولاية العهد في أيام أخيرة معقدة من حياة الراحل الحسين، استطاع أن يقود البلاد بحكمة واقتدار استدعت إعجاب العالم وتقديره في الكثير من المناسبات، فيعبر بالأردن ارتدادات أحداث سبتمبر 2001 والفوضى في العراق بعد الاحتلال الأميركي التي جعلت المنطقة بأسرها بؤرة لتهديدات إرهابية غير مسبوقة، وفي وسط عواصف الربيع العربي كان الإصلاح الذي تحدث به الملك منذ بداية عهده، يضع الأردن بعيدًا عن تجاذبات السلوك الانتقامي، ويعلو به على الفوضى، ويقف الملك بالأردن ليضعه حصنًا أمام التواطؤ الذي كاد يتكلل بصفقة القرن في الولاية الأولى لترامب، ليخوض بعد ذلك قيادة البلاد في خضم أزمة وبائية واسعة ضربت العالم، وتسببت بآثار اقتصادية عميقة.
وفي السنة الأخيرة، كانت الحكمة الملكية تتقدم لتؤدي دورًا إقليميًا وعالميًا وازنًا، ليصبح الأردن في خط المواجهة المتقدم أمام التغول الإسرائيلي وسط تخاذل عالمي واسع، ووسط ذلك الصخب وتتابع الأزمات بقي الأردن ماضيًا في مسيرته التنموية، فتحققت المنجزات على شتى المستويات، ولا سيما رأس المال البشري، وأطلق تجربة تحديث سياسي واقتصادي مشهودة، فلم يكن جلالة الملك الذي يصل الليل بالنهار عملًا من أجل الوطن والمواطن إلا النموذج الملهم الذي يراه الأردنيون فيطالبون جميع المسؤولين أن ينتهجوا ما يؤسسه من أخلاقيات وممارسات في مسيرة البناء.
يتطلع الأردنيون في هذا اليوم الذي كان للوفاء والبيعة، ويعرفون أنهم ماضون في الطريق الصحيح تجاه تحقيق طموحاتهم الوطنية وكلهم ثقة في الملك الإنسان والأب الذي كان على الدوام بينهم ومعهم.