رأينا
كما عهدها العالم أتت تصريحات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة مباشرًة وواضحًة تترفع عن المناورة والمرواغة، وتنطق بالحقيقة والمسؤولية، وفي مؤتمر يعد الأوسع عالميًا لبناء استراتيجية محددة وقابلة للتطبيق وضع الملك على طاولة المجتمع الدولي تصورًا متكاملًا لمساعدة الأشقاء في فلسطين، يبدأ من فض الاشتباك بشكل مؤثر وشامل بين الجهات الفاعلة على الأرض لضمان قدرة وكالات الإغاثة على العمل والتنظيم وأداء واجباتها بأمان وبشكل كاف ومستدام.
وينتقل في مرحلة لاحقة إلى التأسيس لممر بري يمكن أن يصل إلى المحتاجين في مختلف مناطق القطاع، مبينًا أن الأردن سيدرس الإنزال بالطائرات العمودية في حالة وقف إطلاق النار ولن ينتظر تمهيدات الطريق البري وترتيباته، بما يعكس وعيًا ملكيًا بضرورة العمل على وصول أفضل للمساعدات وفي المواقع التي يتكدس فيها أبناء القطاع الذين يحرمون من الحاجات الأساسية، كما ولم يتردد الملك في أن يرفع الستار عن الاكتفاء بالمساعدات الشكلية من غير التركيز على جوانب نوعية يحتاجها الفلسطينيون مثل توفير الأدوية والمياه ومواد الإيواء بشكل كاف ومستمر، فالأمر ليس مجرد رفع للعتب، ولكنه مسؤولية ملحة وإنسانية وأخلاقية على الجميع أن يتصدى لها بكامل الاهتمام، والأردن يمكن أن يمثل مدخلًا موثوقًا لأنه كان متواجدًا من خلال المستشفى الميداني ومن خلال كوادر أردنية دخلت القطاع لأداء أدوار مؤثرة وحساسة في جهد قاده الجيش العربي تلبيةً للتوجيهات الملكية السامية ومعه مختلف المؤسسات الأردنية.
في ختام رؤيته التي عرضت أمام المشاركين في القمة حذر الملك من الأوضاع في الضفة الغربية والتي يمكن تداركها وتفويت فرصة الهروب إلى الأمام بأزمة جديدة من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف، داعيًا لمواجهة الإجراءات الاستيطانية والسلوك الإجرامي للمستوطنين، ومحاولات تضييق سبل العيش على الفلسطينيين من خلال القيود على الحركة والعقوبات الاقتصادية، والانتهاكات في الأماكن المقدسة.
يؤكد الملك أن الأردن سيقف مع غزة، وأنها أولويته ولا يمكن أن يتخلى عنها، ويجب أن تكون أولوية الجميع كذلك، ويمنح للأطراف المشاركة الفرصة لتحسين أداء الإغاثة والدعم للشعب الفلسطيني في هذه المحنة.
وبعد هذه الكلمة المهمة والتي شكلت أرضية للتفاهم والتنسيق لتطبيقها من خلال المشاركين، كان للملك العديد من اللقاءات بحثًا عن تعزيز المواقف الدولية والإجراءات العملية التي يمكن اتخاذها للتعامل مع التحديات الإنسانية الكبرى في القطاع، وكان من منجزات الأردن وحراكه الدبلوماسي الريادي والنشط هو طرح الأونروا من جديد بوصفها فاعلًا رئيسيًا لا يمكن الاستغناء عنه لما يحدثه ذلك من ضرر واسع بالقضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي المحتلة وخارجها.
مؤتمر استثنائي ابتعد عن الشعارات الكبيرة، وتمكن الملك من قيادته تجاه الحديث عن خطوات عملية وعاجلة يجب تطبيقها وبناء التحالف المطلوب حولها بما يشكل نجاحًا دبلوماسيًا يليق بمكانة الأردن قيادةً وشعبًا.