ومن غير الأردن يمكن أن يقدم جهدًا عالميًا من أجل العمل على إيجاد خطوات عملية تضمن توفير المساعدات الانسانية والطبية وإيصالها بشكل فوري ومناسب ومستدام الى القطاع؟ الأردن الذي تحرك أولًا ومبكرًا ليكسر الحصار الخانق على أهل القطاع من خلال الإنزالات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة الأردنية الباسلة بأوامر مباشرة من القائد الأعلى للجيش العربي جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ليضع ذلك العالم كله في اختبار حقيقي أمام التعذر والتحجج بالتهديدات الإسرائيلية بضرب القوافل التي تدخل القطاع، وتلكؤ المجتمع الدولي في اتخاذ مواقف جدية في بداية الأزمة، على أساس أن حسمًا إسرائيليًا سيحدث ويقوض المقاومة الفلسطينية.
المبادرة الأردنية جعلت قواتنا الجوية الأكثر خبرة بسماء غزة وتفاصيلها، فكان أبناء جيشنا العربي يوصلون الإمدادات في المناطق الصعبة وبالغة الخطورة، وبذلك أصبحت الأردن الدولة الأكثر خبرة على المستوى العملياتي واللوجيستي في التعامل مع ملف المساعدات لأهلنا في قطاع غزة، ولجأت العديد من دول العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها لتستعين بالأردن في عمليات الإغاثة، وشاركت العديد من الدول العربية والأوروبية في العمليات الأردنية التي أبهرت العالم، وقدمت درسًا ساطعًا في العمل بإيجابية في مواجهة التحديات الكبرى.
تتداعى العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى عمان من أجل بناء مدخل عملي وفاعل لمد يد العون للأهل في غزة، بما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الحقيقية والعاجلة في تعبير عن الثقة التي يحوزها الأردن بقيادته ومؤسساته ومختلف فعالياته الشعبية لتصدر المواجهة في هذه المحنة الإنسانية غير المسبوقة.
لا يقف الأردن مكتوف اليدين، وعلى الرغم من مساعيه السياسية التي أسهمت في إحداث تحولات مشهودة في مواقف العديد من الدول الحليفة والصديقة لتبدأ في التعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية بمنظور أكثر واقعية وموضوعية وعدالة يلتفت لمعاناة الفلسطينيين وحقوقهم في العيش في أمن وسلام، إلا أن ذلك لم يعطل الأردن عن التقدم على المستوى الإنساني، ولم يحرفه عن دوره الإنساني وحسه الأخلاقي ومسؤوليته القومية في العمل على تقديم العون للأشقاء في فلسطين.
هذا كان عهد الأردن تجاه القضية المركزية للأمة العربية، على امتداد عقود من الزمن، وفي مختلف التحديات والأزمات، وفي الضفة الغربية والقدس الشريف، بجانب القطاع، وهذا ما يلتزم به الأردن بصورة متصلة ودائمة، على أن أولوية الهم الإنساني في غزة تجعلها في صدارة الاهتمامات ومن أجلها تتراجع الأولويات الأخرى أمام ضرورة إيقاف المجزرة المفتوحة وإنقاذ الفلسطينيين المكلومين والمهددين بالمجاعة والأوبئة في ظل تغيب الرعاية الصحية المناسبة، وتتراجع بالضرورة المناورات السياسية لأن خطاب عمان سيكون صريحًا ومباشرًا وعالي النبرة.