مع بداية الحرب على قطاع غزة بدأت أقاويل كثيرة تتردد في الصالونات السياسية حول تأجيل محتمل للانتخابات النيابية المستحقة خلال العام الجاري، ولم تصدر أية تعليقات واضحة بخصوص ذلك، إلا أن تيارات واسعة من الأردنيين كانت توقن أن القرار الملكي سيأتي حاسمًا لمصلحة الاستحقاق الدستوري في وقته، فالمسألة لا تتوقف عند الظروف المواتية أو غير المواتية، لأن الأردن أثبت على مدى تاريخه قدرته على التعامل مع التحديات الجسيمة بمنتهى التمكن والاقتدار، ولكن الرسالة المهمة هي في الالتزام والإصرار على مسيرة التحديث السياسي التي ستم?ن الأردن من الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الحزبي والبرلماني البرامجي.
أتى الأمر الملكي ليحسم الجدل، ويؤكد أن الأردن ماضٍ في مسيرته، وأن التحديات لا يمكن أن تعطل أو تعرقل مسيرته، فالبناء الأردني الذي تتجلى متانته ومنعته في الذكرى الخامسة والعشرين لتولي جلالة الملك لسلطاته الدستورية يمتلك رؤية واضحةً تجاه بناء المستقبل الأفضل الذي يستحقه الأردنيون جميعًا.
الالتزام بالأطر الدستورية والقواعد العامة والأعراف المستقرة يبقى نهجًا ملكيًا مستقرًا يتأكد ويتوطد بصورة متواصلة، وجلالة الملك يظهر كل الحرص على أن يمازج بين المسؤولية والثقة في المؤسسات الأردنية، فيأتي الأمر الملكي متزامنًا مع زيارة جلالته للهيئة المستقلة للانتخابات ليمنحها دعمه الكامل في العمل على تهيئة الأجواء لإدارة انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن تطلعات الأردنيين وطموحاتهم، ويوجه جلالته الحكومة لتقديم الدعم للهيئة المستقلة للانتخابات لتضع جميع الإمكانيات في خدمة العملية الديمقراطية الفارقة التي ستمكن من إ?داث نهضة واسعة في البيئة السياسية الأردنية.
الأردن القوي والمستقر يتحرك من أولوياته وبناء على مصالحه، ولا يمكن أن تملي عليه التحديات الخارجية أي توقيت أو تدفعه لأي تأجيل من شأنه أن يحدث أثرًا سلبيًا على المسيرة الماضية بحكمة وثبات، فالتحديث السياسي أتى استجابة لحاجات وطنية أردنية ملحة، وكان ثمرةً للجنة تناقشت وعملت بكل حرية تحت رعاية جلالة الملك ومتابعته، ويتحيز جلالة الملك للتحديث الذي من شأنه أن يدشن لمرحلة جديدة تستطيع أن تواجه تحولات عالمية كبرى على المستوى الجيوسياسي والتكنولوجي، والأردن بسياسته العقلانية والمتوازنة يدرك استحقاقاتها ويتصدى للتع?مل معه وكله ثقة وتعويل على أبنائه وخاصة الأجيال الشابة الواعدة التي يمنحها التحديث السياسي الفرصة الكاملة لتكون شريكة في صناعة المستقبل.
الأردن أولًا، هذا ما أكده الأمر الملكي، والأردن يترقب خلال الأشهر القادمة حالة من الانفتاح السياسي التي ستفتح أفقًا جديدًا أمام جميع الأردنيين من خلال تجربة تقدم الحياة الحزبية بالصورة التي لم يعرفها الأردنيون من قبل.
