توجه جلالة الملك بخطاب استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة يحمل أطراً استراتيجية لمجموعة من الحقائق التي تتغافل عنها المجموعة الدولية، ويعلن مبادئ عامةً أساسية لا يمكن التنازل عنها أو المساومة حولها، ويلفت انتباه الضمير الإنساني إلى مجموعة من المعطيات التي تتذرع الدول المحورية بالظروف والسياقات العالمية من أجل تأجيل التعامل الجدي معها وتجنب تفاقمها مع الوقت.
أياً يكن من أمر، ومهما تكن الظروف والتفاعلات، فالأردن يمتلك السيادة الكاملة على أراضيه، وكما يعمل بمسؤولية تجاه جيرانه، فإنه يتوقع أن تكون المعاملة بالمثل، وأن الأردن لن يتهاون في اتخاذ أي إجراءات تضمن أمنه الوطني، وبأي تكلفة كانت، هذه رسالة واضحة وإنذار لا يحتمل تأويلاً أو تهويناً.
وفي حضرة المجتمع الدولي، يشدد الملك على ضرورة التحلي بالمسؤولية الأخلاقية تجاه أزمة اللاجئين، ففي وقت تتملص فيه دول كثيرة وصاحبة مصلحة مباشرة أو غير مباشرة من تقديم العون للاجئين والمهجرين، يتحمل الأردن التكلفة الباهظة لاستضافة اللاجئين من الأشقاء السوريين وبما يفوق طاقته الاستيعابية ويضع ضغوطاً اقتصادية جسيمة على البنية التحتية والتشغيل والأسواق.
مرتكناً على الموقف الأردني النبيل قيادةً وشعباً يطلق الملك سؤاله العاصف: هل هذا ما وصلنا إليه؟ هل سيقف المجتمع الدولي مكتوف اليدين، ويترك أسر اللاجئين تجد نفسها مجبرة على إرسال أطفالها إلى العمل بدل الدراسة؟ ويسجل موقفاً تاريخياً أمام قيادة عالمية مترددة ومرتبكة، تعجز عن الخروج بحلول سياسية وإنسانية للأزمة السورية المتطاولة، كما وتبقى عاجزة عن أداء دورها تجاه اللاجئين.
ولأن فلسطين لا يمكن أن تتغيب عن الخطاب الملكي، فالملك يواجه المجتمع الدولي بتقصيره واستمراء حالة الضبابية التي تعايشها القضية الفلسطينية وإجهاضها البطيء لعملية السلام، ويضع العالم أمام حقيقة التغاضي عن الممارسات الإسرائيلية التي تنتهك مبادئ العدالة العالمية، وتضعف الثقة في المنظومة الدولية ككل، متحدثاً عن تشجيع ذلك لإسرائيل لتصعيد العنف تجاه الفلسطينيين ليكون العام الجاري هو الأعنف خلال الخمس عشرة سنة الماضية.
يتحدث الملك بصوت الشعب الفلسطيني المتطلع للعيش آمناً وكريماً على أرضه وفي دولته المستقلة، محذراً من دفع الشباب الفلسطيني إلى التطرف من خلال ممارسة الضغوط التي تلقي به إلى اليأس والإحباط، ومرة أخرى يحمل بصراحة وبصورة مباشرة على تجاهل الاحتياجات العاجلة لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة لتستطيع أداء مهمتها في تقديم الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
ويؤكد الملك التزام الأردن بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بوصفها إحدى المسؤوليات التي يتصدى فيها الأردن نيابة عن المجتمع الدولي بأكمله، والأمتين العربية والإسلامية، للمحافظة على القدس وهويتها.
الشباب الذين يكمنون في جوهر الفكر الملكي يشكلون هاجساً لدى الملك في زمن تسود فيه الرؤية الأنانية وقصيرة المدى وغير المستدامة بطبيعتها، ولذلك ينطلق التحذير للعمل من أجل المستقبل وعدم السماح بضياع جيل بأكمله ونحن في موقع المسؤولية.
خطاب الحقائق الواضحة سيبقى شهادة في سجلات الأمم المتحدة تشخص بشجاعة ونبل واقع العالم والتحديات الماثلة أمام القيادة الدولية. بقي أن نقول إن هذا الخطاب يشكل تمثيلاً جلياً ومشرفاً للأردن ومبادئه وثوابته والتزامه الأخلاقي والوطني بالسعي إلى السلام والعدل والخير لجميع البشر في كل مكان وزمان.