بعد إحدى وخمسين شمعة من شموع العطاء، تقف أمُّ الصحف وسيّدة المنابر الرأي لتحتضن أبناءها وبناتها في مشهدٍ مؤثّر: عينٌ على المهنة وشروطها التي هي مدرسة فيها، وعينٌ على ضيق ذات اليد والصمود ما استطاعت أمام أعاصير المال وأنوائه وتقلّباته، وما بين الحالين يكون الانتماء والمكاشفة والصراحة ووضع الحلول.
تراهن الرأي على ريادتها وحضورها وهي تدخل عصر التحول الرقمي غير متهيّبة أو قلقة؛ طالما هي تمتلك رؤيتها في ذلك وتحافظ على إرثها الكبير والنوعي من المصداقيّة والاحتراف والدقّة، وكونها رسالة الدولة وحاملة خطابها، ووسيطاً موضوعياً ونبيلاً بين المواطن والمسؤول.
ويتجدد عطاء الرأي ومسيرتها عبر الدماء الجديدة الشابة التي تأخذ عن الروّاد وتواصل حمل مشعل العمل الصحفي وتغيير الصورة النمطية التي يمكن أن تقرأها في عين كلّ مواطن في هذا العصر التكنولوجي بامتياز: هل بقي للصحف الورقيّة من جمهور؟!
ربّما تتغيّر الوسيلة الإعلاميّة، لكنّ المضمون الصادق والعمل الجاد لا يمكن يوماً أن يكونا محلّ مساومة أو ترخّص أو تهاون، وهذا ما تراه الرأي، وهي تستنهض قوى الصحف الورقيّة وتكون في مقدّمة هذه الصحف في الثبات على المبدأ والانتصاف لمهنة أصيلة لها شروط ومنطلقات، دخلت الرأي في تدريبها بالتكامل مع كليات الإعلام والمؤسسات والجهات ذات العلاقة.
تحتاج الرأي في نظرتها الواثقة هذه، واصطفاف أبنائها إلى جانبها في كلّ مِحَن الصحافة الورقيّة وظروفها، إيمان الآخرين بها ودعمهم لها والشدّ من أزرها والنظر في مبررات وجودها، وهذا كلّه يتأتّى من معرفة وإدراك كم وقفت الصحيفة إلى جانب قضايا الوطن، وكم كانت وما تزال مثالاً ناصعاً أمام الحالات الطارئة والدخيلة على عالم الصحافة والإعلام، وهذه الأرض الرملية التي يعانيها الناس على وسائل التواصل في اغتيال الشخصيات والتطاحن اليومي وتعكير الأجواء، ما يثبت أهميّتها ويؤيّد رؤيتها في التجاور المدروس بين الصحافة الورقيّة والرقميّة أو الإلكترونية- على اختلاف المسميات وتنوّع الرؤى والأفكار في المجالات أو التسميات.
لكن، ومع كلّ هذا المستقبل المحفوف بالتحولات والإجراءات الإداريّة للبقاء على النّفَس ذاته والنهج إيّاه والتغلّب على مشاكل المقروئيّة أو وجود الجمهور،... فإنّ أبناء وبنات (سيدة الصحافة)، لا يمكن أن يتخلّوا يوماً عن الحالة الغنائيّة والفرحة التي يحملونها ويباهون بها، فقد حقّ لصحيفتهم أن تفتخر، وحقّ لهم أيضاً أن يحملوا صوتها فيفتحوا له أصداء جديدة وفضاءات إضافيّة، فيستمرّ الألق وتتواصل الإنجازات.