خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

قرار سيادي و"دولة القانون" لا تخطئ توقيت الحسم

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
محرر الشؤون السياسية

في واحدة من اللحظات الحاسمة والمفصلية في التاريخ السياسي الأردني الحديث، أعلن وزير الداخلية مازن الفراية حظر نشاطات ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها جمعية غير مشروعة، مؤكدًا أن أي نشاط لها، مهما كان شكله أو مضمونه، سيعد انتهاكًا للقانون يستوجب المساءلة، بل إن أي انتساب لها أو ترويج لأفكارها سيوضع في الخانة نفسها.

بهذا الإعلان الجلي، تُغلق الدولة الأردنية فصلًا امتد لعقود، اتسم بتداخلات معقدة تراوحت بين المرونة السياسية، والرهان على الاحتواء، وبين محاولات متكررة من الجماعة لتوظيف هذا الانفتاح و"الصبر الاستثنائي" لمراكمة النفوذ والتنظيم بعقلية الهمينة والاستحواذ خارج الإطار الوطني الجامع.

القرار لا يُقرأ بوصفه رد فعل على حادثة أمنية فحسب، على هول تلك الحادثة التي صدمت الأردنيين، بل تتويجًا لتحوّل جذري في مقاربة الدولة لوجود الجماعة وأدوارها التي غدت ملتبسة على كل حليم وذي عقل.

فالعلاقة التي ظلت لسنوات طويلة ضبابية بين الجماعة المنحلة وحزب جبهة العمل الإسلامي لم تعد قابلة للاستمرار تحت أي مبرر، بعدما أثبتت الوقائع – ومنها قرائن تنظيمية وأمنية – أن الفصل بين الطرفين بات عبثيًا، وأن ما يجمعهما ليس خطابًا فكريًا مشتركًا فحسب، بل منظومة عمل تتقاطع في الهياكل، والأولويات، والولاءات.

لا يخفى على أحد أن الدولة قاومت طويلاً، ضغوطًا خارجية لتجريم الإخوان، بعد العام 2013، وتحملت كلفة تلك المقاومة سياسياً وحتى اقتصادياً، وظل يحتفظ بعلاقة قائمة مع الجماعة وذراعها السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي". لم تصنفها جماعة إرهابية، بل تم التعامل معها كجزء من النسيج السياسي والاجتماعي، وقبلت بمشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية وبحضورها في المشهد العام، حرصاً منها على الاحتفاظ بإرث أردني خالص، يتسم بالرغبة في الحفاظ على التوازن داخل المجتمع الواحد.

لكن، ثمة من قرأ موقف الدولة على أنه ضعف ناجم عن عدم الرغبة في استعداء جماعة لها حضور شعبي وتنظيمي، وأنه فضّل احتوائها بدلاً من المواجهة، حفاظًا على السلم الأهلي والتوازنات الداخلية، خاصة في ظل هشاشة إقليمية كبيرة، وهي قراءة وإن حملت بعض الحقيقة، إلا أنها منقوصة أسقطت من متنها أن لا أحد بإمكانه الاستقواء على دولة راسخة ذات مؤسسات، وتملك أن تقرر في اللحظة التي تراها مناسبة ما يحفظ أمن الوطن واستقراره.

وزير الداخلية لم يكتف بالإعلان عن الحظر، بل قدّم سردية واضحة تدعم القرار بسلسلة من المؤشرات الخطيرة:

• كشف عن محاولة تهريب وإتلاف وثائق داخل مقار الجماعة في الليلة ذاتها التي أعلن فيها عن ضبط خلية تصنيع طائرات مسيرة ومتفجرات.

• أعلن عن ضبط عملية تصنيع وتجريب مواد متفجرة يقودها أحد أبناء قيادات الجماعة المنحلة وآخرون، كانت تستهدف أجهزة أمنية ومواقع حيوية داخل المملكة.

• شدد على أن استمرار الجماعة في نشاطها يهدد أمن المواطنين ويخلق بيئة قابلة للاشتعال الفكري والتحريضي، على حساب الاستقرار العام.

ومنذ لحظة الإعلان عن الخلية، لم تدّخر الجماعة جهدًا في تحويل الواقعة إلى ساحة للخطاب العاطفي. وبدلاً من التعاطي مع ما كُشف بوصفه تهديدًا للأمن الوطني، تصرفت وكأن ما يجري "خلاف بالرأي"، فدفعت بقياداتها إلى وسائل الإعلام لتروّج لسردية الضحية، واعتبرت أن لها تاريخ يشفع لها، وراحت تراهن على الزمن والضغوط الشعبية كما اعتادت في كل محطة حرجة، بل حاولت استثمار أجواء التعاطف مع أحداث الإقليم لتبرير أفعال شنيعة بحق الدولة والنظام العام والسلم الاهلي.

ولم تتوقف عند الداخل، بل حرّكت أذرعاً إعلامية في الخارج لترويج افتراءات تمس سيادة الأردن، وصل بعضها إلى حد القول إن القبض على الخلية تم "بتنسيق مع إسرائيل" – وهي رواية لا تخلو من الخبث والتضليل، هدفها تزوير الحقيقة وتلويث موقف الدولة، في محاولة مستميتة لتشتيت التركيز عن خطورة ما أقدم عليه عناصرها.

لم تُعد الجماعة، في صورتها الكلية، تنظيماً سياسياً ضمن التعددية الأردنية. بل تحوّلت إلى حاضنة فكرية للتشدد، تُجيّش الشارع، وتحرّض على الدولة، وتهاجم مؤسساتها، وتُخوّن أبناءها في الأجهزة الأمنية، وتحتك بهم في الشارع لإحداث مشاهد مريبة، تُستثمر لاحقًا كذخيرة دعائية لتأليب الرأي العام.

خطاب الجماعة بات ينهش في صورة الدولة، يخلق بيئة مشحونة بالكراهية، ويغذي شعورًا مضللًا بأن الأردن مجرد ساحة لا وطن. بل إن مؤشرات عديدة تؤكد أن الجماعة لم تكن تعير المناسبات الوطنية اهتماماً، وأعضاؤها لم يُبدوا ما يدل على تشكل انتماء وجداني حقيقي تجاه الأردن، بل كانت مرجعيتهم دائماً خارجية، تنظيمياً وفكرياً وتمويلياً.

لا ينسى الأردنيون كيف تراجعت الجماعة خطوات إلى الوراء خلال ما سُمي بـ"الربيع العربي"، ترقباً لأي فراغ، على أمل أن تقفز إلى الأمام كما فعلت في دول أخرى. بل لا ينسى الأردنيون التصريح الشهير لأحد قادة الجماعة: "ربحنا مصر وسنربح الأردن"، وهي عبارة تعكس العقلية التي تعاملت بها مع البلاد: غنمية لا وطناً يستحق الانتماء والولاء.

وما زال الأردنيون يتذكرون كيف مجّدت الجماعة أحداثًا انتهكت الأمن الوطني، واعتبرتها بطولات، وسعت إلى فرضها كأساس للمشهد السياسي المحلي، في تجاهل كامل للقانون ولحق الأردنيين في الأمن والاستقرار.

دولة القانون، لا تخطئ توقيت الحسم، فالأردن، كدولة مؤسسات، قد يكون مرنًا في مراحل اختبار الفكرة السياسية، انطلاقا من تصرف القوي الواثق بنفسه، لكنه لا يتردد حين يصير الحسم من مقتضيات اللحظة، فما يجري ليس تضييقًا على حرية التعبير ولا إقصاءً لمكون سياسي أو اجتماعي، ولا تجاوباً مع ضغوط خارجية كما تروج أبواق الجماعة في الخارج، بل إجراء قانوني لحماية الدولة من منظمات خارجة على الدستور تعمل في الظل وتتلقى تعليمات من الخارج، وتشكل خطراً متزايداً على وحدة الأردنيين وأمنهم.

لقد آن للالتباس أن ينتهي، هذا قرار سيادي، لحماية وطنٍ لم يكن يوماً طارداً لفكرة أو طيف، لكنه لا يقبل بالمساومة على الأمن العام، ولا بتقويض شرعيته من أي جهة كانت.

فمن لا يرى في الأردن وطناً، لا يمكن له أن يكون شريكاً في مستقبله.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF