تسارعت وتيرة الأحداث الأمنية والسياسية المرتبطة بالمخططات الإرهابية التي جرى الكشف عنها قبل أيام والتي اعترف فيها عدد من المتهمين بارتباطهم بتنظيمات سياسية إسلامية. فقد أعلن وزير الداخلية عن قرار سيادي يتمثل بحظر جماعة الأخوان المسلمين المنحلة حكما واعتبارها جمعية غير مشروعة، وبأن كافة الأنشطة التي قد تقوم بها أيا كان نوعها ستعد أعمالا مخالفة للقانون تستوجب المسؤولية القانونية.
وقد جاء القرار الحكومي بحظر جماعة الإخوان المسلمين تنفيذا لقرارات قضائية قطعية أصدرتها محكمة التمييز الأردنية اعتبرت فيها هذه الجماعة فاقدة لشرعيتها القانونيةوذلك بسبب مخالفتها أحكام القانون. فجماعة الإخوان المسلمين قد جرى تسجيلها ابتداء كجمعية خيرية حملت اسم "جمعية الإخوان المسلمين" في عام 1946 وذلك استنادا لقانون الجمعيات لسنة 1936. وفي عام 1952، تقدمت الجمعية بطلب إلى مجلس الوزراء لتعديل نظامها الأساسي وتغيير اسمها ليصبح "جماعة الإخوان المسلمين".
وعندما صدر قانون الجمعيات الخيرية رقم (36) لسنة 1953، نصت المادة (12) منه على أن جميع الجمعيات الخيرية القائمة عند نفاذ القانون تعتبر منحلة حكما بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وأنه يتعين على الجماعة إذا ما أرادت معاودة نشاطها أن تتقدم بطلب ترخيص جديد خلال ثلاثة أشهر من سريان القانون.
وقد تكرر هذا الحكم التشريعي في المادة (22) من قانون الجمعيات رقم (7) لسنة 1965، التي فرضت على الجمعيات المسجلة بموجب القوانين السابقة، ومن ضمنها قانون الجمعيات لسنة 1936، أن تتقدم بطلب تسجيل جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ القانون، وإلا اعتبرت منحلة وغير قائمة.
وعلى الرغم من الفرص التشريعية المتعددة التي أتيحت لجماعة الإخوان المسلمين لتصويب أوضاعها، إلا أنها لم تبادر إلى الالتزام بأحكام القانون، فصدر قرار قضائي عن محكمة التمييز الأردنية باعتبارها منحلة حكما منذ تاريخ 16/6/1953، وذلك استنادا لأحكام قانون الجمعيات الخيرية لعام 1953.
وفي ضوء صدور قرار الحل، تقدم مجموعة من الأشخاص بطلب تأسيس جمعية جديدة باسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، التي تم الاعتراف بها رسميا وبالاسم الذي اختارته، على اعتبار أنه لا توجد جمعية أخرى مسجلة وفق الأصول تحمل الاسم ذاته.
ومنذ ذلك التاريخ والأردن يتعامل بصبر وترو مع هذه الجماعة المنحلة؛ فهي تضم أردنيين يفترض بهم أن يكونوا حريصين على أمن الوطن وسلامته، فتم السماح لهم بممارسة العمل الحزبي من خلال ذراعهم السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، وبالإضافة إلى التمسك بكافة الحقوق الدستورية الأخرى من الحق في التعبير والتظاهر وتنظيم الاعتصامات والمسيرات الشعبية.
إلا أنه وبعد أن ثبت للدولة الأردنية أن هذه الجماعة قد تمادت في التطاول على أمن الوطن وسلامة أبنائه من خلال الاعترافات المباشرة التي أدلى بها المتهمون بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية، كان لزاما على السلطات الحاكمة أن تستعمل صلاحياتها الدستورية في تنفيذ القرارات القضائية النهائية التي صدرت باسم جلالة الملك، وذلك كمظهر من مظاهر سيادة القانون واحترام استقلال القضاء وعلو شأنه.
إن سوء النية لدى القائمين على إدارة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة قد ظهر جليا خلال السنوات الماضية من خلال عدم رغبة قادتها في الإنطواء تحت لواء الجمعية التي جرى الترخيص لها، والتي يفترض بأنها تحمل المضامين والأهداف السياسية ذاتها والمتمثلة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والدعوة نحو "أسملة" الدولة بقوانينها وتشريعاتها الوطنية الصادرة عنها.
إلا أن جماعة الإخوان المسلمين المنحلة قد فوتت على نفسها فرصة إعادة انتاج نفسها واكتساب شرعية قانونية جديدة لذاتها.وقد ذهبت إلى أبعد من ذلك بأن خططت ودبرت أعمالا تخريبية على مستوى غير مسبوق وصل لمرحلة تصنيع المتفجرات وتجريبها من قبل أحد أبناء قيادات الجماعة المنحلة، والتي كان يستهدفون بها مقرات أمنية ومواقع حساسة داخل المملكة كما جاء في بيان وزير الداخلية.
أما النتائج القانونية المترتبة على صدور قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين، فيتمثل باعتبارها جمعية غير مشروعة لغايات تطبيق القوانين الجزائية ذات الصلة، وفي مقدمتها قانون العقوبات الذي يُجرم التعامل أو الانتساب لأي جمعية غير مشروعة بالحبس والغرامة المالية.
ولغايات تنفيذ هذا القرار، فإنه يفترض بالقائمين على إدارة حزب جبهة العمل الإسلامي أن يعلنوا فك ارتباطهم التنظيمي والسياسي مع هذه الجماعة المنحلة، وأن يُعلن أعضاء الحزب تبرؤهم من هذه الجماعة المحظورة من خلال وقف التعامل معها وإنهاء حالة "التزاوج في العضوية" بين الحزب والجماعة، وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية الناجمة عن التعامل مع جميعة غير مشروعة كما قررتها المادة (160) من قانون العقوبات.
وتطبيقا لقرار وزير الداخلية بإغلاق مقرات ومكاتب الجماعة المحظورة حتى ولو كانت بالتشارك مع جهات أخرى، فقد سارعت الأجهزة الأمنية إلى تنفيذ هذا الأمر، والذي طال مواقع متعددة لحزب جبهة العمل الإسلامي. إلا أن الدولة الأردنية وضمن حرصها على مبدأ المشروعية، قامت باتباع الأصول الإجرائية المقررة لتفتيش مقرات الأحزاب السياسية، والتي اعتبرتها المادة (23) من قانون الأحزاب النافذ بأنها مصونة لا يجوز مداهمتها أو مراقبتها إلا بشروط، أهمها صدور قرار قضائي عن المدعي العام بهذا الخصوص وحضور ممثلين عن الحزب المعني، وأنه في حال رفضهم الحضور يتم التفتيش بحضور شاهدين اثنين.
إن كافة الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها الدولة الأردنية بحق جماعة الإخوان المسلمين لا تخرج عن كونها إنفاذا لأحكام القضاء الوطني، وتكريسا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون.
* أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة