منذ نشأتها في ثلاثينيات القرن الماضي، وجماعة الإخوان المسلمين تحاول أن تُقدّم نفسها كحركة دعوية إصلاحية، إلا أن واقع ممارساتها في الأردن، خصوصًا خلال العقود الأخيرة، يكشف عن دور متقلب ساهم أحيانًا في تأزيم المشهد السياسي والاجتماعي، بل وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الأمن الوطني.
أحد أبرز الإشكاليات في علاقة الدولة الأردنية مع جماعة الإخوان المسلمين تمثلت في ازدواجية الخطاب؛ حيث تتحدث الجماعة بلغة معتدلة داخل الأردن، بينما ترتبط تنظيمياً وفكرياً مع مراكز قرار خارجية تتبنى أجندات سياسية تتقاطع أحيانًا مع المصالح الوطنية الأردنية، لا سيما في ظل ما عُرف بـ"التنظيم الدولي للإخوان".
هذه الازدواجية انعكست في مواقف الجماعة من قضايا محورية، كمعاهدة السلام، العلاقة مع السلطة الفلسطينية، والحرب على الإرهاب، إذ لطالما وظّفت هذه الملفات للضغط على الدولة أو لتحريك الشارع.
ولعبت في محطات متعددة، دورًا بارزًا في تأجيج الشارع الأردني، عبر دعوات احتجاج ظاهرها المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وباطنها الرغبة في زعزعة الثقة بين المواطن والدولة.
فخلال سنوات ما بعد "الربيع العربي"، كانت الجماعة من أبرز المحرّكين للمظاهرات، مستخدمة خطابًا شعبويًا، ووسائل إعلام موجهة، ومنصات إلكترونية لنشر الشائعات والتشكيك في مؤسسات الدولة متخذة أسلوب "التغلغل الناعم" في المؤسسات التعليمية والنقابات المهنية وغيرها من المنظمات، وهو ما سمح لها ببناء قاعدة نفوذ خارج الرقابة المباشرة للدولة، وقد استُخدمت هذه القواعد لاحقًا كأذرع ضغط في وجه السياسات الحكومية، وأحيانًا كمنصات لتغذية خطاب الانقسام.
ولم تكن علاقة الجماعة بالأنظمة السياسية الإقليمية بمعزل عن التأثير على الوضع الداخلي الأردني. فقد أظهرت وثائق وتقارير أمنية ارتباطات بين بعض قيادات الجماعة وتنظيمات ذات طابع سياسي وأمني خارج البلاد، مما يطرح تساؤلات عن ولاء الجماعة الحقيقي، ومدى استقلال قرارها عن أجندات دولية.
ورغم كل هذه المعطيات، تعاملت الدولة الأردنية بحكمة مع جماعة الإخوان، ففضّلت سياسة الاحتواء والضبط القانوني بدلًا من المواجهة المباشرة، كما حدث في دول أخرى.فتم تعديل القوانين لتقييد الفضاء التنظيمي غير المرخص، وفتح المجال أمام تيارات إسلامية معتدلة تؤمن بالدولة المدنية وسيادة القانون، بما يحقق التوازن ويحفظ أمن الوطن واستقراره.
ولم تعد جماعة الإخوان – في نظر الأردنيين – حركة دعوية، بل باتت فاعلًا سياسيًا غامضًا يسعى للبقاء في المشهد عبر استغلال التناقضات،ولأن الأردن اليوم يواجه تحديات اقتصادية وأمنية وإقليمية، فإن الحزم في مواجهة كل من يسعى لزعزعة الاستقرار – مهما كان اسمه أو شعاره – لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية.
وفي لحظة إقليمية دقيقة، تبدو الفرصة سانحة أمام الإخوان في الأردن لمراجعة خطابهم وممارساتهم، والاقتراب أكثر من منطق الدولة الحديثة، التي تقوم على التعددية، وسيادة القانون، والهوية الوطنية الجامعة.
وفي المقابل، فإن احتواء التيارات السياسية ضمن أطر شرعية ومنظمة، هو من مصلحة الدولة، إذا ما اقترنت المشاركة بالالتزام، والنقد بالبناء، والمعارضة بالولاء.
فالأردن اليوم بحاجة إلى تكاتف جميع مكوناته، تحت مظلة وطنية واحدة، تحفظ التعدد، وتحمي الدولة، وتؤمن أن الولاء لا يُقاس بالشعارات، بل بالالتزام الصادق بثوابت الدولة وقيادتها.