خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الأردن واحتواء التعدد: نموذج في التوازن السياسي

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. محمد كامل القرعان

منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة في بدايات القرن العشرين، تبنت القيادة الهاشمية نهجًا قوامه الاعتدال والانفتاح السياسي، فلم تكن المملكة يومًا دولة الإقصاء أو الاستفراد، بل سعت إلى بناء عقد اجتماعي يقوم على التعددية والاحترام المتبادل، ضمن ثوابت وطنية واضحة المعالم. وقد تجلى هذا النهج في سياسات متعاقبة سمحت بوجود تيارات فكرية وسياسية مختلفة، من اليسار الاشتراكي إلى التيار القومي، مرورًا بالحركات الإسلامية، وانتهاءً بالتيار الليبرالي، وكل ذلك ضمن أطر دستورية وقانونية واضحة تتيح حرية التعبير والتنظيم، وتمنع ?ي الوقت ذاته الانزلاق نحو الفوضى أو المساس بأمن الدولة ؛ ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، شهد الأردن حضورًا لافتًا للأحزاب القومية واليسارية، بعضها كان معارضًا بشدة لسياسات الدولة، إلا أن القيادة لم تلجأ إلى الحلول الأمنية إلا عندما تجاوز البعض الخطوط الحمراء المرتبطة بسيادة الدولة والتماسك الداخلي. ومع ذلك، استمر الحوار، وبقيت القنوات السياسية مفتوحة، أما التيار الإسلامي، فقد حظي بحضور رسمي واضح منذ الأربعينيات، إذ كانت جماعة الإخوان المسلمين مرخصة منذ عام 1946، وشاركت في الحياة العامة عبر التعليم والع?ل الخيري ثم السياسي، وصولًا إلى البرلمان والبلديات والنقابات. غير أن هذا الانفتاح لم يكن على بياض، بل ضمن معادلة دقيقة تحترم القانون والدستور.

في عام 1989، شكّل الأردن نموذجًا ديمقراطيًا متقدمًا حين أجرى أول انتخابات نيابية حقيقية بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عامًا، حيث شاركت مختلف القوى السياسية، بما في ذلك الإسلاميون، الذين نالوا حينها نحو ربع مقاعد البرلمان. ولم تُقص الدولة أي تيار، بل شجعت الجميع على المشاركة، وأكد جلالة الملك الحسين بن طلال آنذاك أن التعددية هي الضامن الحقيقي للاستقرار.

ولعل أبرز ما يميز التجربة الأردنية أنها لم تكن انتقائية في احتوائها، بل سعت إلى التوازن بين حرية العمل السياسي وحماية الدولة من محاولات الاحتواء أو التوظيف الخارجي لبعض الأجندات. وهو ما أكده جلالة الملك عبد الله الثاني مرارًا، ومن ذلك ما جاء في ورقته النقاشية الخامسة عام 2014 حين قال: "إن الديمقراطية التي نريدها للأردن هي التي تحترم التعددية، وتحفظ الدولة من محاولات الاختطاف أو الفوضى."

وقد انعكس هذا الفهم في بناء مؤسسات حزبية ونقابية ومدنية، وفرت فضاءً للتعبير عن مختلف الرؤى، لكن تحت سقف الوطن. فلا تهميش ولا وصاية، بل حوار دائم ومفتوح، تُضبط إيقاعاته بالمصلحة العامة، لا برغبات تيار بعينه.

إن النموذج الأردني في إدارة التنوع السياسي يمثل تجربة متقدمة في محيط إقليمي يشهد توترات وانقسامات حادة. ففي حين عصفت الانقلابات والصراعات الداخلية بعدد من دول الجوار، استطاع الأردن أن يحفظ توازنه الوطني، بفضل قيادته الحكيمة، ومجتمعه المتماسك، ووعيه بأن التنوع قوة، متى ما أُدير بعقلانية ومسؤولية.

ومن هنا، فإن التجربة الأردنية ليست فقط عنوانًا للنجاح السياسي، بل هي مرجع أخلاقي وفكري في كيفية التوفيق بين حرية التعبير والحفاظ على أمن الدولة، وبين التعددية والوحدة الوطنية.

أكاديمي وباحث في الإعلام والسياسية وشؤون الشباب

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF