خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

استراتيجيات صهيونية مبكّرة «1 / 5»

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. صلاح جرّار

بعد إعلان بريطانيا سنة 1917 عن وعد بلفور الذي ينادي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين نشأت في فلسطين حركات معارضة للمشروع اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين وبيع الأراضي لليهود.

وأمام هذه المعارضة نشطت الحركة الصهيونية في وضع استراتيجية لتذليل العوائق أمام المشروع الصهيوني وإحباط الحراك الوطني الفلسطيني، وقاد هذه الجهود الصهيونية كلٌّ من حاييم مارغاليوت كالفاريسكي وهو تاجرٌ مشهور وعلى علاقة بكثير من العرب، والكولونيل فردريك كيش وهو ضابط استخبارات بريطاني متقاعد، ورئيس الحركة الصهيونية، حاييم وايزمان.

وفي زيارته إلى فلسطين سنة 1920 نظّمت لقاءات لحاييم وايزمان مع شخصيات عربيّة كثيرة، وفي ختام زيارته طلب من استخبارات مكتب الجمعية الصهيونية المنتخبة أن يضعوا له خطّة شاملة لمواجهة المعارضة العربية للمشروع الصهيوني تقوم على عدد من النقاط،–كما ورد في كتاب جيش الظلال (Army of Shadows) لمؤلفه هيلل كوهين (Hillel Cohen) منها: شراء الصحف المعادية للصهيونية، لضمان

2/ 5

تعيين هيئات تحرير جديدة مؤيدة للسياسات الصهيونية، وذلك اعتماداً على قاعدة أنّ الكلمة المكتوبة لها قدرة كبيرة على تقديم المسألة الصهيونية بطريقة تمنع انتشار الروح الوطنية الفلسطينية بشكل أوسع في الأوساط الفلسطينية. ومنها أيضاً: إقامة علاقات وديّة مع العرب وإنشاء نوادٍ للتعاون بين العرب واليهود. ومنها أيضاً إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين.

ولتنفيذ هذه البنود وضع حاييم وايزمان استراتيجية تقوم على ثلاثة عناصر، الأول: دعم القوى المعارضة داخل المجتمع الفلسطيني بهدف إيجاد قيادات بديلة تخدم المصالح الصهيونية. والثاني: تعميق الخلافات والشقوق داخل البناء الاجتماعي الفلسطيني عن طريق عزل البدو عن بقية مكوّنات المجتمع وإشعال الصراعات بين المسيحيين والمسلمين والدروز. والثالث: هو تطوير آلية إعلامية ودعائية من خلال الصحف والكتّاب تبيّن الفوائد والمكتسبات التي يحققها عرب فلسطين في حال عدم معارضتهم للمشروع الصهيوني. وذكر مؤلّف كتاب جيش الظلال أن نسبة عدد اليهود إلى العرب في فلسطين في عام 1920 كانت بحدود 10% فقط، وأنّ الاستراتيجية التي رسمها حاييم وايزمان ما زالت نافذة إلى اليوم.

3/ 5

إنّ من يتأمّل واقع القضيّة الفلسطينية وواقع المشروع الصهيوني في المنطقة العربيّة لا يخفى عليه استمرار ملامح تلك الاستراتيجية التي رسمها وايزمان قبل أكثر من قرنٍ من الزمن من جهة سعي الصهاينة إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل ومحاولات الإيقاع بين مكوّنات المجتمع وتبنّي قيادات وطوائف معيّنة إمعاناً في التفكيك، وكذلك الهيمنة على رسائل الإعلام واستخدامها للترويج للسردية الصهيونية، وغير ذلك من عناصر تلك الاستراتيجية.

ولمــّا كان الكيان الصهيوني في فلسطين قد طوّر جميع وسائل خدمة مشروعه الاستعماري تطويراً بالغاً منذ سنة 1920، فقد طوّر صناعاته العسكرية والتكنولوجيّة وطوّر مشاريعه الاستيطانية والعمرانية والاقتصادية والتعليمية والسكانيّة وجميع الجوانب الضرورية لنجاح الدول واستمرارها.

ومن الطبيعي أن يكون قد طوّر إلى جانب ذلك كلّه آليات تطبيق استراتيجية حاييم وايزمان، وأن يكون تطوير هذه الآليات والوسائل متناسباً في حجمه ومداه وتعقيداته مع التطوّر البالغ في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية وسواها.

4/ 5

وهذا يعني أنّ ما نشهده اليوم من مؤامرات وخطط وتدابير ومكائد صهيونية في فلسطين والوطن العربي ما هو إلاّ نتيجة للتطور الذي شهدته آليات تطبيق استراتيجة حاييم وايزمان، وهي آليات تتّخّذ أشكالاً وصوراً وأبعاداً جديدة وخطيرة، فاستراتيجية التفكيك لم تتوقف على مكوّنات المجتمع الفلسطيني بل تجاوزته إلى المجتمعات العربيّة، ولمــّا كانت وسائل هذا التفكيك قديماً تقوم على تجنيد بعض الكتّاب والصحف واليهود المستعربين فإنها اليوم تقوم على تكنولوجيا متطوّرة ومؤثّرة والهيمنة على وكالات الأنباء العالمية والفضائيات المشهورة. ولمــّا كانت استراتيجيات 1920 في تغيير القيادات تعتمد على الدعم الصهيوني للقوى المعارضة داخل المجتمع الفلسطيني فإنّها اليوم تعتمد على الإرهاب الصهيوني والغربي للقيادات واستخدام وسائل الترغيب والترهيب لهم وتقييدهم باتفاقيات لا يستطيعون الانفكاك منها، وقد تعدّت هذه الإستراتيجية حدود فلسطين إلى دول كثيرة عربية وإسلامية ودول مؤيّدة للحق الفلسطيني.

ولستُ أشكّ في أنّ الفلسطينيين منذ إصدار وعد بلفور إلى اليوم يعرفون هم والدول العربيّة هذه الاستراتيجيات الصهيونية قديماً وحديثاً، إلاّ أنّهم غالباً ما يغضّون الطرف عنها ولا يعيرونها الاهتمام اللازم لمواجهتها وإحباطها.

5/ 5

ولذلك لا بدّ لنا من الاعتراف بأنّ كثيراً ممّا يشهده الواقع الفلسطيني وواقع كثير من المجتمعات العربية من تمزّق وتفكّك وصراعات وضعف نتيجة ذلك لا يخلو من بصمات صهيونية تقف وراءه إلى جانب عوامل ذاتية عربيّة أخرى من استبداد وظلم وسوء إدارة وغيرها.

لذا لا بدّ من مواجهة مساعي التفكيك بسلاح الالتحام والوحدة والتضامن وتجاوز كلّ الخلافات المصطنعة.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF