... أحيانا الحياة تعلمك بعض الأشياء، التي لم تقرأها في الكتب ولم تأخذها من ألسنة الناس..
أمس مثلا تعرضت لحادث بسيط، حادث أدى لخدش وانبعاج بسيط في سيارتي، وكان مع (تنك نضح)، بصراحة أنا الملام حاولت تفاديه وهو كان يلوح لي بيده يريد مني أن أنتظر، ولكني استعجلت الأمر قليلا فارتطمت به.
وقفنا في الشارع، وحين نزل السائق من التنك أول كلمة قالها لي: (أهم شي سلامتك)، وأنا بالطبع شكرته وقمت بالاطمئنان على التنك وتبين لي أنه لم يتعرض لأضرار، وسألني السائق بتهذيب عال: (بدك نعمل كروكا يا أستاذ).. في تلك اللحظة لم أعرف الإجابة، فكان مني أن سألته: (أنت محمل ولا فاضي)..؟ وتبين أنه (محمل)..
تبادلنا الحديث مطولا، وسألني عن مهنتي وأجبته، وأخبرني بأنه شاهدني على التلفاز مرة، المهم أننا تبادلنا مصاعب الحديث حول خبرات كل مهنة، وهو كان يضحك بعد كل جملة، وسألني: (شو رأيك انبدل)..؟
الصديق الذي استنجدت به، كي يأتي ويقوم بسحب سيارتي التي عجزت عن الحركة نتيجة التحام المعدن في العجلة تأخر، بسبب الأزمات في عمان.. وسائق التنك يريد تفريغ الحمولة لكنه تعاطف معي وبقي في الانتظار.. واقترح علي أن نترك السيارة في الشارع، ولأن الجو كان باردا جدا، استضافني في التنك، كي نحظى بالقليل من الدفء، وبسيجارة.. وفتح لي الصندوق وعرض علي أن نحتسي القهوة سويا، وقد شرح لي عن محتويات الصندوق.. كان لديه (غلاية قهوة) تعمل على الكهرباء مع الفناجين، واستدرك ممازحا: (بتحبها ع الريحة أستاذ)..
بصراحة لم أشاهد شخصا بدماثته وتهذيبه، ولكن الهواتف التي كانت تأتيه يبدو أنها كانت تحمل في طياتها طلبات مستعجلة، وكان يوجه أسئلة تنم عن حرفية عالية، حول عمق (الجورة).. والمنسوب والميلان.. ومن ضمن ما فهمته، أن (الطرمبة) لا تعمل على أعماق محددة، كنت أحب أن أسترسل معه في الحديث ولكن عمله على ما يبدو كان ملحا.
في النهاية غادرت، وأعطاني رقمه الشخصي، وقالي لي: أنا بخدمتك أستاذ..
هذا الصباح لحظة كتابة المقال، هاتفني وكان يريد الاطمئنان علي.. وضحكنا من أول جملة قالها وهي: (أنا سايق التنك لحقت تنسى).. المهم ختمنا الحديث بأن قلت له: أنا مثلك تماما يا صاحبي.. أشبهك تماما، ولكن المشكلة ليست بشخصي أو شخصك، الناس تظلمنا لأنها مباشرة تنظر (للحمولة) ولا تنظر لقلوبنا...
أتعبتني الحمولة يا صاحبي.