لو توقفنا هنا لنتابع ما يجري حولنا من بلدان العالم، لرأينا كيف تنتظر العائلات عودة آبائهم، لتتلقفهم على مدارج الطائرات بكل فخر، ولكن الفخر الحقيقي هو لجيشنا وقواتنا الأمنية التي تحمي أرضنا وعرضنا وتراب وطننا، و الكل متفق عليه إلا الروافض الذين يأكلون من الصحن ثم يبصقون فيه.
ومع هذا فإننا نلتمس العذر لبعض المغرر بهم من وراء جدُر، فهم لم ينخرطوا بالقتال ولا ذهبوا إلى ميادين النضال الحقيقي، ولو ذهبوا إلى هناك لعرفوا كيف ينامون قريري الأعين بعد السهر، لأن هناك أشاوس يسهرون الليل لتنام عيون أطفالنا، وعوضا عن باقات الورود ينتفض البعض وكأن بهم رعشة لا يفهم معناها سوى من أحس بلسعة البرد القارص كي يحموا أصحاب الفلل و سهرات الصباح.
ومع ذلك فنحن مقصرون، لأننا لم نقل لأطفالنا أن هذا البلد هو البلد الوحيد الذي احتضن أشقاءنا من كافة دولنا العربية، لا بل جئنا بإخوة لنا في البوسنة والهرسك وألبانيا، فضلا عن أشقاء من سوريا ولا يزالون مكرمين ومن العراق العزيز واليمن السعيد، واللائحة تطول حيث يحتضن الأردن ستا وخمسين جنسية، ولم نتذمر بل احتضناهم ولا نزال، أما شعبنا وأخوتنا في فلسطين وغزة فقد أعطونا مثالا في التضحية وفي المقابل لا يزال أطفالنا يرسمون علم الكيان الغاصب على حاويات النفايات، فأنا لم أرسمها ولكن أولادي ونظراءهم فعلوها.
هنا ينظر بعض من الجمهور الفتّي الذي لم يعرف معنى العسكرية كيف تتعامل بالعدد والعتاد والخطط القتالية والمهمات الحربية للدفاع عن بلدنا وهذا نظريا أقرب الى الواقع في كثير من الدول القريبة التي لا يستطيع البعض منهم أن يبصق من فمه على منشأة خشية العقوبة، ولكن يغفل الكثير عن الدور الحقيقي لقواتنا الأمنية التي تراعي مشاعر المواطنين واللاجئين دون تفريق، ومع ذلك سيبقى بلدنا هو الموئل للجميع حتى وإن خرجت أصوات فمردها ستعود منكسة رؤوسها، وبلدنا بلد الإنسانية التي تعرف كيف تصنع جيشا للحرب والسلم في عقيدة واحدة.
ولعل ما يهمنا هو جيشنا العربي الأردني الذي يعد أنموذجا للقوى الإنسانية وسط هذه الغابة المتوحشة في الشرق الأوسط حيث تقدم الهدف الإنساني والتنموي على الهدف الحربي المخصص لحماية الوطن والمواطنين،و من الظلم والعقوق أن تتعمد بعض الجهات أو الأفراد غمط حق المؤسسة العسكرية الأردنية في دورها الوطني وهذا الذي لا تقدمه الأحزاب والجماعات والشركات الكبرى والرؤوس الحامية، حتى رأينا كيف يتنكر البعض لمؤسستهم التي لولاها لما عرفوا ما هو هذا العالم ولما تمكنوا من الجلوس فارهين على المقاعد متشدقين، فيما المجتمع الأردني يقدّس?المؤسسة ويشعر باعتزازه بها.
إن في هذا العالم جيوشا قتلت أبناء وطنها ومنها من شارك في تدمير بلاد بأكملها، وهناك من الجمهوريات العسكرية من أسست للفساد المالي والوظيفي عبر قواتها المسلحة، وهذا ما سرّع في هدم بنية الدولة فيها نتيجة صراع المصالح وتقاسم الثروات، ولكن الأمر عندنا مختلف، فمؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية لها خصوصية وجدانية لدى الشعب وهي القلعة المنيعة للذود عن حياض هذا الوطن، وتعدّل رأس من حاد عن صوابه وتحمي المواطنين وتخدمهم وتحارب قوى الظلام وأباطرة الشرّ الذين عاثوا في بلاد الله قتلا وإفسادا، وهذا يتطلب تقديم الدعم والإسناد ل? أن تحتكر الحقيقة في ظل تغول التوحش، وذلك ليستمر جيشنا في عطائه وتقديم خدمات تعجز عنها الحكومات..
فلينظروا كيف تقديم الخدمات الصحية للمواطنين شبه مجاناً، عبر بوابة الخدمات الطبية الملكية التي عالجت الملايين من المواطنين غير المقتدرين في المشافي منذ العقود الغابرة، ولا تزال مدينة الحسين الطبية والمستشفيات العسكرية في المحافظات تقدم أفضل الخدمات وتخرّج أكفأ وأمهر الأطباء حتى طافت سمعة خدماتنا الطبية آفاق العالم، فماذا بعد كل ما نراه من المندسين لضرب اللحمة الوطنية من الجانبين، وأخال أنهم مغيبون عما تقوم به قوى الأمن من سهر لينام أطفالهم قريري الأعين.