في مشهد يتكرر بين الحين والآخر، تشهد بعض المظاهرات التي تُقام في الأردن غيابًا ملحوظًا للعلم الأردني، في مقابل حضور أعلام فئوية أو حزبية أو شعارات خاصة. هذا الغياب، وإن بدا للبعض أمرًا عابرًا، إلا أنه يطرح تساؤلات عميقة حول مضمون الرسالة التي يرغب المحتجون في إيصالها، ومدى ارتباطها بالهوية الوطنية الجامعة.
العلم ليس مجرد رمز شكلي أو زينة بروتوكولية، بل هو عنوان الدولة، ومظلة الانتماء، وخلاصة التاريخ المشترك. في الدول التي تحترم مؤسساتها وتعتز بوحدتها، يُرفع العلم الوطني حتى في لحظات الخلاف والاحتجاج، ليؤكد المحتجون أنهم أبناء هذا الوطن، وأن مطالبهم نابعة من الحرص عليه، لا من معاداته.
غياب العلم الأردني عن المشهد الاحتجاجي يُضعف الرسالة، بل وقد يُفسَّر خطأً على أنه تعبير عن حالة خصومة مع الدولة، لا مع السياسات أو القرارات موضع الاعتراض. كما أن تغييب الراية الوطنية ورفع شعارات ضيقة أو أعلام بديلة يخلق حالة من الانقسام الرمزي، ويفتح المجال لتأويلات تمسّ جوهر الانتماء الوطني.
ليس من الخطأ أن ترفع الأحزاب شعاراتها، أو أن تُعبِّر المكونات عن مطالبها، لكن الخطأ يكمن في أن يُستبدل العلم الأردني، أو يُغيَّب تمامًا عن الساحة. فالمطالبة بالإصلاح، وممارسة الحق الدستوري في التعبير، لا تتعارض مع إظهار الولاء للدولة والاعتزاز برمزها الجامع.
في لحظات التعبير عن الرأي، كما في لحظات الفخر والاحتفال، يجب أن يكون العلم الأردني حاضرًا. لأنه ليس شعارًا لحكومة، ولا رمزًا لمرحلة، بل هو راية وطنٍ يعلو فوق الجميع، ويستحق أن يُرفع دائمًا... خاصة عندما تُرفَع الأصوات.