التطور الاقتصادي بعد الصراعات هو ظاهرة معقدة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية مع السياسية والاجتماعية، وتؤثر بشكل كبير على الاستقرار والتنمية في المناطق المتأثرة، وهذا ما حدث في سوريا خلال فترة الصراع منذ عام 2011 إلى اليوم. وتتفاوت تأثيرات هذه الصراعات من منطقة إلى أخرى، ولكن هناك بعض الاتجاهات الرئيسية التي يمكن ملاحظتها. وغالباً ما تؤدي الصراعات إلى تدمير البنية التحتية، مما يعرقل الإنتاج الصناعي والزراعي ويؤدي إلى تراجع الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. تؤثر هذه التحديات بشكل كبير على النمو الاقتصادي وتؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة.
سوريا التي مرّت بحرب وصراعات طويلة الأمد تشهد الآن مرحلة من إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي إذا ما توافرت ظروف سياسية آمنة وملائمة. هذا قد يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتنمية البشرية، وقد تساعد المؤسسات الدولية ودول الجوار في هذا السياق.
إن السلام بطبيعة الحال يؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام. بعد الصراع، تسعى العديد من الحكومات والمنظمات الدولية إلى إعادة بناء اقتصادات المناطق المتضررة من خلال استراتيجيات مثل الاقتصاد في مرحلة ما بعد النزاع وهي تشمل مجموعة من المبادرات التي تركز على الاستثمار في البنية التحتية وتنمية القطاعات الاقتصادية الحيوية وتحفيز الاستثمار المحلي والدولي.
وفي سياق الحرب في سوريا والصراعات التبعية هناك، فقد لعب الأردن دورًا مهمًا في التوسط في إعادة تنشيط الاقتصاد السوري ولكن بشكل محدود وكان ذلك عبر فتح المعابر الحدودية مثل معبر «نصيب»، الذي يعد شريانًا حيويًا للتجارة بين البلدين. إعادة فتح هذا المعبر في عام 2018 كان خطوة مهمة نحو استئناف الحركة التجارية بين سوريا والدول المجاورة، بما في ذلك الأردن، مما ساعد على تحفيز الأنشطة التجارية والاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأردن يجب أن يسعى للاستفادة من موقعه الاستراتيجي كحلقة وصل بين سوريا ودول الخليج العربي، حيث يتوقع أن يكون له دور في جذب الاستثمارات الأجنبية والإعمار في سوريا بعد حدوث الاستقرار الأمني والسياسي. من خلال التعاون مع شركات أردنية من القطاع الخاص في قطاعات مثل البناء، والنقل، والطاقة، فإن الدولة الأردنية قد تكون في وضع يسمح لها بالمشاركة في مشاريع الإعمار.
إن المملكة الأردنية الهاشمية تعمل بشكل نشط مع المنظمات الدولية والإقليمية وهذا يساهم في مساعي إعادة الإعمار في سوريا. في هذا السياق، يمكن للأردن أن يعمل بشكل وثيق مع البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأردن قد يسهم في تقديم المشورة الفنية والدعم اللوجستي لتنفيذ مشاريع الإعمار، خاصة في المجالات الإنسانية والتنموية. يجب على الأردن أن يشارك من خلال القطاع الخاص بشكل كبير في إعادة إعمار سوريا. العديد من الشركات الأردنية في قطاعات البناء، والصناعات الثقيلة قد تجد فرصًا في السوق السورية بمجرد استقرار الأوضاع التي نرى مشارفها هذه الأيام. الشركات الأردنية الخاصة لديها القدرة على تقديم خدمات مثل بناء الإسكان، والبنية التحتية، وتجهيزات المصانع، مما يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد الأردني أيضًا.
بالاضافة الى ذلك، يُعد التعليم والتدريب المهني من القطاعات الحيوية التي تحتاج إلى إعادة بناء في سوريا. منذ بداية النزاع، تأثر قطاع التعليم بشكل كبير، حيث دُمّرت العديد من المدارس والجامعات في سوريا، ودفعت الحرب العديد من الشباب السوريين إلى مغادرة البلاد بحثًا عن فرص أفضل. يمكن للأردن، بفضل نظامه التعليمي المتطور، أن يقدم التعليم الأكاديمي والفني للطلاب السوريين داخل الأردن أو من خلال برامج تعليمية عن بُعد. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم الجامعات الأردنية والمراكز التدريبية في توفير دورات تدريبية تخصصية في مجالات الهندسة، والطب، والطاقة، والزراعة، والقانون، وغيرها من المجالات الضرورية.
دور الأردن في إعادة إعمار سوريا بعد النزاع يمكن أن يكون محوريًا على العديد من الأصعدة ويجب ألا ينحصر فقط في الجانب الأمني. يجب أن يكون له دور في المساعدة في استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، ودعم التجارة الإقليمية وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية. وبالتالي دور الأردن في إعادة إعمار سوريا يجب أن يكون شاملاً ومتعدد الأبعاد وذلك من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي، وتقديم الدعم الفني، والمساهمة في جهود إعادة بناء القطاعات الرئيسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
محامٍ وخبير قانوني