مع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ، تعود المنطقة إلى حالة من الهدوء النسبي، لكن خلف هذا الهدوء تكمن حسابات معقدة ومشهد يتسم بالتوتر والتناقضات، الحرب التي استمرت لشهرين وانتهت دون حسم واضح، كشفت عن محدودية القوة العسكرية وحدود الخيارات السياسية في صراعات الشرق الأوسط.
إسرائيل دخلت المعركة تحت شعارات كبرى أطلقها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مثل القضاء على حزب الله وإعادة صياغة توازنات المنطقة، لكنها خرجت بنتائج أقل من المتوقع، فشلت في تحقيق نصر ساحق، ووجدت نفسها أمام واقع داخلي محتقن وانتقادات واسعة، التهديدات التي أطلقها نتنياهو ضد حزب الله لم تخفِ عجز إسرائيل عن إنهاء نفوذ الحزب بشكل كامل، بينما تركت صواريخ المقاومة بصمتها في الداخل الإسرائيلي، مما أربك حسابات الجيش.
على الجانب الآخر، واجه حزب الله تحديات كبيرة، ورغم أنه أظهر قدرة على الصمود أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن خسائره الميدانية والاقتصادية كانت فادحة، الحزب استطاع الحفاظ على وجوده في المعادلة، لكنه خرج من المعركة مثقلاً بتحديات داخلية وإقليمية، إعادة بناء قدراته العسكرية وسط ضغوط دولية متزايدة ستكون معركة صعبة، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
أما المدنيون، فهم الرابحون المؤقتون في هذه المعادلة. وقف إطلاق النار يمنحهم فرصة لاستعادة شيء من حياتهم الطبيعية، ولو مؤقتاً، لكن الجراح التي خلفتها الحرب لا تزال عميقة، والمخاوف من تصعيد جديد قائمة. التحليق المستمر للطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان والتهديدات المتبادلة يؤكدان أن هذا الاتفاق قد يكون مجرد هدنة قصيرة في صراع طويل الأمد.
ما بعد وقف إطلاق النار ليس أقل خطورة مما سبقه، المنطقة تقف عند مفترق طرق، إما أن تُترجم هذه الهدنة إلى استقرار سياسي ودبلوماسي، أو تتحول إلى محطة استراحة في طريق العودة إلى الحرب، الرهان الآن على قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على إيجاد تسوية مستدامة، لكن التجارب السابقة تُظهر أن صراعات الشرق الأوسط غالباً ما تتجاوز الحلول الدبلوماسية وتظل رهينة التوترات الميدانية.