لم يعد هناك من المبررات ما تخفيه دولة الاحتلال جراء عدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية لأهداف دينية خالصة، وتوسعها به ليشمل لبنان الشقيق، بعدما أصبح واضحا وضوح الشمس أمام تصريحات المسؤولين الاسرائيليين السياسيين والعسكريين والمؤسسات الاستيطانية من اهدف يجب أن تؤخذ على محمل الجد من اهداف توسعية على حساب الدول المجاورة كما يزعمون لدولتهم وتعزيز وتوسيع مشروع الاستيطان في مختلف أنحاء يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بوسائل سياسية، قضائية وإعلامية، من منطلق اعتباره جزءا مركزيا في تحقيق الصهيونية خلال الأجيال الأخيرة».
والواقع أن نتنياهو استطاع الاستفادة من المعتقدات الدينية وتسخيرها لخدمة التوجهات السياسية التي نادت بها الحركة الصهيونية. والدعوة بوضوح إلى الهجرة إلى فلسطين على أساس قومي لتجسيد فكرة «إعادة بناء صهيون» و"تحقيق آمال الشعب اليهودي بالعيش في وطن أجداده ووضع الأُسس الثابتة لتجديد ملك اليهود».
وقد انبرى العديد منهم في تصريحات تؤكد أن حربهم ضد فلسطين برمتها وافشال إقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة لبنان بتحقيق النبأ الالهي بما وعدوا به في التوراة من تحقيق مشروعهم المزعوم بـ(إسرائيل الكبرى). وقد اقتنع هؤلاء بضرورة الاعتماد على دولة كبيرة ذات نفوذ واسع لتأمين الأرض والاستيطان للصهيونيين.
والمتتبع لنشاطات حكومة نتنياهو وريث الحركة الصهيونية على وجه الإجمال يجد أنها نجحت في تحقيق مشروع بازل الذي باركه هرتسل مؤسسة الصهيونية، بتحويل القضية اليهودية من مجرد قضية أقلية مغمورة إلى مسألة عالمية تحتاج إلى اعتراف بوجودها وتطلب حلاً لها.
وهذا يؤكد أن هذه الحرب تنطلق من غايات ايديولوجية واستراتيجية تقودها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بعد وضعه عبر محاولاته الدؤوبة المسألة اليهودية في مقدمة القضايا التي ستقف أمام الدول العظمى وبدعم من جميع الأحزاب الاسرائيلية وقياداتها العسكرية وقواعدها الشعبية ومجلس المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وقطاع غزة.
وقد أكدت اسرائيل أن هذه الحرب تعتبر وجودية وليست دفاعا عن اسرائيل وامنها والقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله وغيرها في اليمن والعراق ومجابهة النفوذ الإيراني في المنطقة وما يشكله من خطر على اسرائيل.
ولا يمكن القفز فوق الأهداف المبطنة لنتنياهو في هذه الحرب المفتوحة دون أفق. من المؤكد أن نتنياهو يسعى لعرقلة أي تفاهمات تم التوافق عليها بشأن الأسرى الاسرائيليين لدى حماس من جهة وبين واشنطن وطهران من جهة أخرى، والتي ظهرت مؤشراتها في مواقف عدة، رغم الخسائر المادية والبشرية التي تدفعها دولة الاحتلال.
وهذا المسار لم يكن ليحصل لولا وجود تفاهامات ومباركات مع الولايات المتحدة الأميركية تضمن الدفاع الأمني لاسرائيل وحضورها العسكري، ويدلل على تفاهمات حول كيفية ملء الفراغ الذي سيحدث مع تركيا ودول المنطقة.
من هنا تستمر الاتصالات واللقاءات الدبلوماسية بين اسرائيل وأميركا في محاولة لمنع التدخل عربيا وعالميا وردع إيران وضبط التوتر. ليس من باب المصادفة مع التحركات الاميركية المنسقة في المنطقة.
ولم تكن بمحض الصدفة تسمية المستوطنات بـ(عمونة) و(مستوطنة عوفرا) الا استنادا لسرديات إسرائيلية يهودية تبعا لكتابهم الزعوم المقدس صفر التكوين (19)، لتدلل على حقيقة لا غبار عليها للأطماع اليهودية، وفي الجغرافيا السياسية الحالية، يقع قلب عمون داخل الأردن، الذي يتفق معظم اليهود الآن على أنه «ربة عمون» التوراتية، أما (عوفرا) والمقصودة به عفراء وهي احدى المناطق بالسعودية، اسماء لحركة ايديولوجية لتعبر عن رغبات وطموحات الشعب اليهودي في العصر الحديث وفي مقدمتها «العودة» إلى"أرض إسرائيل»، على حدّ تعبير هذه الحركة. والواقع أن الصهيونيين استطاعوا الاستفادة من المعتقدات الدينية وتسخيرها لخدمة التوجهات السياسية التي نادت بها الحركة الصهيونية.