صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين القاضي محمد الغزو رئيسا للمحكمة الدستورية لمدة ست سنوات شمسية وذلك وفق أحكام الدستور، حيث يأتي هذا التعيين كاستحقاق دستوري بعد انتهاء عضوية الرئيس السابق الذي جرى تعيينه ابتداء عضوا في المحكمة الدستورية في عام 2018 قبل أن تصدر الإرادة الملكية السامية بتعيينه رئيسا للمحكمة في عام 2023، إثر تقديم الرئيس المعين في ذلك الوقت استقالته الخطية وللمدة المتبقية من رئاسته.
وبهذا يكون القاضي الغزو هو الرئيس الثالث للمحكمة الدستورية الأردنية التي تقرر إنشاؤها في عام 2012، وذلك نتيجة للتعديلات الدستورية التي أوصت بها اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور برئاسة المرحوم أحمد اللوزي في عام 2011. فقد جاء تشكيل هذه اللجنة في ضوء هبوب رياح الربيع العربي واستجابة من الدولة الأردنية للمطالب الشعبية بالإصلاح والتغيير، حيث اتسع نطاق التوصيات النهائية التي قدمتها اللجنة الملكية لتشمل مراجعة أكثر من ثلث أحكام الدستور الأردني.
وقد تقرر عند إنشاء المحكمة الدستورية إسناد اختصاصين اثنين لها يتمثلان في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور؛ حيث خضعت القواعد الإجرائية والموضوعية الناظمة لعملها لسلسلة من التعديلات التشريعية كان آخرها في عام 2022، وذلك فيما يخص شروط العضوية في المحكمة وآلية الطعن بعدم الدستورية.
فبالنسبة لشروط العضوية في المحكمة الدستورية، فقد جرى تعديل المادة (61) من الدستور بحيث أصبح يُشترط في عضو المحكمة الدستورية من فئة المحامين أن يكون قد أمضى مدة لا تقل عن عشرين سنة في مهنة المحاماة، بعد أن كانت مدة الخدمة المطلوبة خمس عشرة سنة فقط.
كما سمحت التعديلات الدستورية لعام 2022 بتعيين أعضاء في المحكمة من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان، بعد أن كان النص الدستوري السابق يقصر التعيين في المحكمة الدستورية على أحد الأعضاء الذين تتوافر فيهم شروط العضوية في مجلس الأعيان.
أما التعديل المتعلق بآلية الطعن بعدم الدستورية، فقد جرى في عام 2022 إعادة النظر في طريقة وصول الدفع المثار بعدم دستورية قانون ما إلى المحكمة الدستورية، بأن أصبح من صلاحيات قاضي الموضوع أن يوقف السير في الدعوى المنظورة أمامه التي قُدِم فيها دفعا بعدم الدستورية وأن يحيله إلى المحكمة الدستورية مباشرة، دون الرجوع إلى محكمة التمييز الموقرة التي كان المشرع الدستوري قد أعطاها دورا في التحقق من جدية الدفع المثار ومدى توافر شرط المصلحة فيه لغايات إحالته إلى المحكمة الدستورية من عدمه.
وبالعودة إلى تعيين الرئيس الجديد للمحكمة الدستورية، نجد بأنه قد جاء استمرارا للنهج الملكي في اختيار رؤساء محكمة التمييز وتكليفهم برئاسة المحكمة الدستورية. فالقاسم المشترك بين الرؤساء السابقين للمحكمة الدستورية الذين جرى اختيارهم للتعيين لمدة ست سنوات أنهم كانوا رؤساء سابقين للمجلس القضائي ولمحكمة التمييز الموقرة.
إن هذه الممارسة الحميدة المتمثلة بنقل القاضي الأول في القضاء النظامي للعمل رئيسا للمحكمة الدستورية من شأنه أن يعطي هذا المنصب زخما قانونيا وقضائيا يسهم في تعزيز دور المحكمة باعتبارها حصنا منيعا لحماية الحقوق والحريات العامة، والتصدي لأية محاولة تشريعية تهدف إلى النيل من سمو الدستور الوطني. فالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة التي تناط بالمحكمة الدستورية كاختصاص أصيل تهدف إلى ضمان حالة من التوافق التشريعي بين المبادئ الدستورية العليا والقواعد القانونية الواردة في القوانين الوضعية والأنظمة بصورها المتعددة?كما حددها المشرع الدستوري.
إن نجاح القاضي الغزو في إدارة دفة القضاء النظامي لسنوات طويلة أمر يبعث الأمل والتفاؤل بأن المحكمة الدستورية خلال رئاسته ستستمر في عطائها القضائي، وسترتقي إلى مصاف المحاكم الدستورية العربية المجاورة، وذلك نظرا للمكانة القضائية المميزة لرئيسها المعين والأعضاء العاملين فيها والعضو المقدر الجديد الذي جرى تعيينه مع الرئيس لاستكمال عدد أعضاء الهيئة العامة للمحكمة المكونة من تسعة قضاة.
وتجدر الإشارة إلى أن تعيين رئيس المحكمة الدستورية والعضو الجديد فيها قد جرى بموجب إرادة ملكية تحمل توقيع جلالة الملك المنفرد دون أن يشاركه بها رئيس الوزراء أو أي من الوزراء في حكومته، وذلك عملا بأحكام المادة (40/2) من الدستور.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة