الإعلام ليس المعركة كلها؛ بل هو نصفها، وإذا لم تسنده أوضاع قتالية صحية وصلبة، فإنه يضحى أحد عوامل الهزيمة؛ لذا تتداخل الأجندات السياسية مع محتوى العديد من وسائل الإعلام وتؤثران وتتأثران ببعض، والحرب غير المعلنة هي كيفية التأثير على الرأي العام لتمرير بعض القرارات السياسية أو التأثير عليها بما يساهم في تحقيق المصالح العليا للدول؛ فهي تعمل كسلاح لطرف معين ضد الطرف الآخر وبذلك تتشكل الحروب الإعلامية.
وتتعدد التكتيكات الإعلامية لإدارة الأزمات الدولية مثل: (تكتيكات المعاداة، وتحويل الاتجاه، والتصعيد، وحافة الهاوية، والهجوم، والهجوم المضاد، والتهديد، والشهادة، والإنكار، وإثارة مخاوف الجمهور، والتعتيم، والتضليل، وتكثيف المعاني، والصدمة، والتجاهل المتعمد، والمصارحة، والتجريد من الشرعية، والتسريب المتعمد، والدفاع، والتهدئة، والمساندة، واستعراض القوة، وتقديم الأدلة، والتهوين من شأن الطرف الآخر، والتبرير، وتصحيح الأوضاع، والرد غير المباشر، والتكرار المتنوع.
وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في الحرب لتعدد وظائفها، بحيث يؤدي توظيف نظريات الاتصال بشكل احترافي دورا حاسما وقت الحروب؛ ففهم هذه الديناميكية أمر بالغ الأهمية من قبل المؤسسات الإعلامية وقيادتها والصحفيين العاملين بها وإدارة الأزمات اعلاميا مهم في الحد من تفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومنع تحولها إلى قناعات مجتمعية عبر وسائل متعددة. حيث يمكن للروايات الإعلامية المستمرة تطبيع عنف النزاع وتشكيل تصورات طويلة الأجل وينطبق ذلك على توظيف نظرية الاستخدامات والاشباعات في تلبية احتياجات الجمهور وتزويده?بشكل مستمر بما يحتاجة ويتوق اليه من الأحداث.
وإذا ما شهدنا تبرير مجمل وسائل الإعلام الغربية لحصار وحرب إسرائيل ضد قطاع غزة، نرى إعلامياً استخدام مزيج من النظريات والمفاهيم، فبرغم عدد الضحايا الفلسطينين الضخم، نجد أن وسائل الإعلام تركز بشكل كبير على إدانة حماس وأنها من بدأت الصراع (وقطعت رؤوس الأطفال) وتتجاهل بشكل تام ما تقوم به إسرائيل من عدوان تجردت منه كل القيم الاخلاقية والانسانية ضد شعب أعزل، ويتم تبرير العدوان إعلامياً بأنها حالة الدفاع عن النفس، وفي المقابل عند مشاهدة تغطية وسائل الإعلام الغربية لجهود دعم اسرائيل في فلسطين المحتلة كان التركيز ب?كل رئيس على هجوم حماس وحزب الله وآثاره على اسرائيل وتبرئة ضمنية لها برغم حجم الدمار الذي تسبب به لقطاع غزة ولبنان.
ولذلك لجأ الاعلام الاسرائيلي والغربي المنحاز إلى توظيف نظريات مهمة في تجنيد الرأي العام لصالح اسرائيل، فوظف على سبيل المثال أكثر من نظرية كنظرية التأطير الاعلامي والغرس الثقافي ووضع الاجندة والاستخدامات والاشباعات وغيرها كإحدى أهم النظريات التي تستخدم في توجيه الرأي العام وتسليط وسائل الإعلام الضوء على أجزاء محددة تخدم اسرائيل وتنبذ حماس وحزب الله وتقف في وجه الحقوق الفلسطينية، ومن ثم التأثير على كل من الرأي العام والأجندات السياسية.
وأدت التقارير المصورة للدعاية الإسرائيلية خلال حرب غزة، إلى ميل الرأي العام العالمي بدايتها الى جانب اسرائيل على العكس من ذلك، خلال حرب اسرائيل على لبنان، عرضت وسائل الإعلام في الغالب روايات حول التقنيات العسكرية ومدى تطورها مما عزز دعم الرأي العام.
والشاهد أن للإعلام دوراً مهماً وحيوياً في الحروب والنزاعات المسلحة، وأن هذا الدور أكبر من أن يتم تجاهله أو التقليل من شأنه، وهو أيضاً أقل من أن يحسم نتائج القتال، أو يحدد اسم المنتصر.
