الأردن، وبما يمثله من نموذج ناجح في الحكم والاستقرار والامن، أصبح عرضة في الآونة الأخيرة لإشاعات متعددة وهناك جانب آخر لا يتعلق بالدعاية، وإنما هو امتداد لتصفية الحسابات السياسية اغلبها يعج بالقص واللصق والتركيب والاستعانة بأرشيفات الفيديو والتصريحات القديمة وربطها بصورة تبدو «محكمة» لخلق سياق راهن يسهل تصديقه.
كما تتضح كذلك خطورة التنظيمات والجماعات عابرة الوطنية التي تتجاوز الولاءات الوطنية والانتماءات الجغرافية للأرض والمكان، حيث تصبح مثل هذه الجماعات أداة طيّعة يمكن توظيفها بسهولة في شن حروب ضد الأوطان من الداخل.
وكأي شخص تصله مثل هذه الإشاعات بإمكانه على الأقل اللجوء إلى الشك والتريث قبل أن يقوم هو الآخر بإرسالها إلى غيره أو الترويج لها بأية طريقة من الطرق. ويمكنه ببساطة أن يقوم ببحث بسيط على أبرز المواقع الإخبارية الرسمية أو وكالات الأنباء، كي يتأكد من مدى صدق أو كذب تلك الإشاعات.
بمعنى آخر يستطيع أي شخص أن يأخذ ما يشاء من الاحتياطات قبل أن يجعل من نفسه فريسة سهلة لمروجي الإشاعات. لا سيما أن كثيرين يحرصون على عدم الوقوع في شباك هؤلاء، لكن للأسف البعض يقع في ذلك، سواء بحسن نية أو بسوئها. ويدرك المروجون أن معظم الناس لا يملكون القدرة أو الآلية أو الحافز للتحقق، لذلك فهم يتعمدون الاستعانة بكثافة على الذكاء الاصطناعي وبالمصادر الأجنبية، للإيهام بأهمية ما هو مكتوب. ولا يوجد شيء يمنعهم من فبركة الصور والكلام والترجمات وقول ما لم يرد على لسان المتحدثين، أو نسبة تصريحات إلى أشخاص لم يقولوها.
ومن تابع وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة يتأكد من ذلك بوضوح، فقد انتشرت بعض الإشاعات المغرضة ذات طابع «عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي» وتستهدف الأردن ومواقفه ورموزه، ولا تعدو أن تكون إشاعات متناقلة والهدف منها زرع بذور الشك وإحداث بلبلة أو فوضى لتحقيق أهداف في غالبها تكون هدّامة؛ لأنها تلعب على وتر تطلع الجمهور لمعرفة الأخبار في محاولة لإحداث التأثير المستهدف لمروجيها خاصة في أوقات الأزمات. والعكس تماماً يحدث إذا ما فقد الموضوع أهميته أو كانت المعلومات حوله واضحة وغير محددة، فإن الاشاعة لن تجد من يبدي بها اهتماماً.
وتفتقر هذه الإشاعة عادة إلى المصدر الموثوق الذي لا يحمل أدلة على صحتها، ولا أساس له من الواقع، وتعمد المبالغة أو التهويل والتشويه في سرد خبر أو التغليف عليه بأسلوب مغاير بقصد التأثير النفسي على الرأي العام المحلي أو العالمي باعتبارها أحد أساليب الحرب النفسية، مثل الدعاية وغسل الدماغ أو افتعال الفتن والأزمات وغير ذلك من الأساليب الكثيرة.
والجانب الأخطر تحول الإعلام في بعض الأحيان إلى مربع «الإشاعة» وتخليه عن دوره الحقيقي ليتداول وقائع وأحداثاً أقرب إلى الإشاعات منها إلى الأخبار، لدرجة انهارت معها الحدود الفاصلة بين فنون حديثة مثل «الإعلان» و"الدعاية» من ناحية، والإشاعات من ناحية ثانية في الوقت الذي يعتمد الجيل الرابع تكتيكات حروب الدعاية والحروب السرية عبر أفراد وجماعات مدربة لإحداث قلاقل واضطرابات، والعمليات الإرهابية والتفجيرات وأنشطة التسلل والغزو الثقافي ونشر الإشاعات وغير ذلك من أنشطة تعبوية قائمة على تدمير الروح المعنوية والتأثير نفسياً في الخصم وكسر إرادة الطرف الآخر وتحطيم معنوياته وإفشال مؤسسات الدول وإحداث قدر هائل من الفوضى والارتباك والذعر الداخلي بحيث يسمح ذلك بتدخلات خارجية لتحقيق وتنفيذ مخططات معينة، أو استمرار هذه الفوضى الداخلية لشغل الدول عن الخارج ودفعها إلى الانكفاء على الذات والانشغال داخلياً بما يخدم أهداف قوى إقليمية أو دولية.
ومن الضروري هنا تبني نهج إعلامي إيجابي مبادر، من خلال تكذيب الإشاعات فوراً، وبكلمات واضحة وصريحة والسير بالتربية الاعلامية منهاجا وثقافة ومعرفة للجيل الجديد؛ لإدراك خطر ترك مثل هذه الإشاعات تفعل فعلها وسط الجمهور. كما تنبع أهمية تعميق قيم الولاء والانتماء إلى الوطن، والالتفاف والتوحد والالتحام حول راية الوطن وقيادته.