دون أدنى اعتبار للقوانين الدولية والمواثيق والأعراف الإنسانية وغياب لأي نوع من العدالة والمحاسبة التي كفلت الحماية للصحفيين في مناطق الصراع والنزاعات بسبب المأساة الرهيبة التي تتكشف في غزة، وعمليات القتل والإبادة الجماعية وما إلى ذلك، يستمر مسلسل الدم متمثلا بجرائم الإعدام والابادة التي تمارسها قوات الاحتلال الاسرائيلي بدم بارد لفرسان الحقيقة وللمدنيين العزل، واستهداف عائلاتهم ومنازلهم دون وجود أي رادع لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم وفاشيتهم وإرهابهم.
وهناك في غزة قتل وإفلات من العقاب؛ وهناك أيضا ارتفاع في حالات الاعتقال والترهيب وإغلاق الطرق وقمع للتغطية الإخبارية الانتقادية لتشكل مجموعة كاملة من الانتهاكات الأخرى التي تحدث يوميا وقد كررت «إسرائيل» في عدة مناسبات وصف بعض الصحفيين الفلسطينيين بأنهم «إرهابيون» وباتهامهم بأنهم «عملاء إرهابيون» ينتمون لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحليفتها حركة الجهاد الإسلامي.
وتمارس حكومة الاحتلال وجيشها الفاشي المجرم في استهداف الصحفيين، في محاولة لإرهابهم وثنيهم عن نقل الحقيقة وتغطية جرائم الاحتلال البشعة ضد الإنسانية وطمس الحقيقة؛ وممن يغطون الاعتداء الإسرائيلي على البلدات اللبنانية الحدودية، وما نراه اليوم هو تدهور خطير للغاية في حرية الإعلام وحقوق الصحفيين وحرية التعبير.
وقد أصبحت غزة الصراع الأكثر دموية وخطورة وفتكا على الصحفيين في التاريخ الحديث، وذلك لسبب واحد وهو العدد الكبير جدا من الوفيات بين الصحفيين. وهذا أعلى بكثير من أي رقم لقتل الصحفيين سجلته الأمم المتحدة في التاريخ الحديث نتيجة للصراع، وبالتالي، فإن استهداف الصحفي يعد جريمة حرب.
ونتذكر أن انتهاكات حقوق الصحفيين وانتهاكات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة لم تبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي؛ فهناك تاريخ طويل في هذا الصدد، وحتى عندما يتعلق الأمر بقتل الصحفيين، فقد تم ذلك في ظل الإفلات من العقاب، ولم يجر التحقيق في الكثير منها أو إجراء محاكمة بشأنها لا سيما قضية الصحفية شيرين أبو عاقلة على سبيل المثل والتي قتلت منذ عامين تقريبا في جنين.
وتؤكد لجنة حماية الصحفيين أن إسرائيل الآن تحتل قائمة أسوأ سجاني العالم نظرا للوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا توجد إمكانية لنيل أي نوع من الخلاص من ذلك حتى تصبح إسرائيل مستعدة لاحترام حرية الصحافة والصحفيين هناك.
ولم تقتصر السياسة الفاشية في استهداف الصحفيين وعائلاتهم في القتل والاعتقال والاحتجاز فقط بمجرد تقارير تنتقد السياسات والعمليات الإسرائيلية في الأرض المحتلة أو يعبرون عن آراء مؤيدة للفلسطينيين، بل كانوا هدفا للتهديدات والترهيب والانتقام، في ظل بيئة قمعية وخطيرة للغاية طالت الى جانب الصحفيين المواطنين الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم، لمجرد انتقادهم–وأحيانا لمجرد تبادل المعلومات–حول ما يحدث في غزة ويتفاقم الأمر بشكل كبير، والأخطر من ذلك فان هذه الجرائم لا تحظى باهتمام المجتمع الدولي أو أي شخص آخر.
وتم مؤخرا اعتماد قانون يسمح بالحظر حيث تحاول السلطات الإسرائيلية اسكات كل صوت يحاول نقل الحقيقة كما حصل في اغلاق مكتب الجزيرة الآن، وهي وسيلة الإعلام الدولية الوحيدة التي تعمل في غزة، وفي نفس الوقت، لم تسمح إسرائيل لأي وسيلة إعلام دولية بالدخول إلى غزة، وهذا يعد انتهاكا لحرية التعبير وحق وسائل الإعلام في حالات الحرب.
أعتقد أنه على المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية والدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وخاصة تلك القريبة من إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، أن تمارس الضغط على إسرائيل لا سيما عندما يتعلق الأمر بالصحفيين لأنه يتعين عليهم الاستمرار في تعريض أنفسهم لتلك المخاطر نفسها مرارا وتكرارا.
يجب محاسبة إسرائيل ويجب أن تكون هناك قواعد بشأن التحقيق، واكتشاف الجناة، وتوفير بعض التدابير التعويضية لأن الناس في الداخل بحاجة إلى معرفة ما يحدث من أجل الحفاظ على سلامتهم ومعرفة طبيعة القتال الذي يجري وما يحدث في الأماكن التي تركوها كما العالم أيضا بحاجة إلى أن يعرف.
وهذا الأمر له تداعيات هائلة ليس فقط على ما يحدث الآن، ولكن على المستقبل، عندما تكون هناك محاسبة كاملة على المستوى الدولي، عن هذا الصراع في غزة.