سبق الأردن العالم في التحذير من (مستقبل مظلم) تنهار فيه القيم ويصبح ميثاق الأمم المتحدة عبارة عن (حبر على ورق) جراء التصعيد التي تمارسه اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط والانتهاكات المتواصلة على قطاع غزة وتوسيع عدوانها ليشمل لبنان الشقيق، محذرا بالرغم من اجتماع زعماء العالم في وقت من التحول العالمي العميق لترتفع فيه المخاطر الكارثية والوجودية التي يمكن أن تدفع العالم إلى مستقبل عنوانه المزيد من الانهيار وفقدان الثقة، غير أنه يؤكد في الوقت ذاته أن الزعماء يأتون إلى الأمم المتحدة في وقت من الأمل والفرصة لحماية حاجات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية من خلال الإجراءات المنصوص عليها في ميثاق المستقبل، الذي يتضمن 56 إجراء في شأن قضايا بما في ذلك القضاء على الفقر، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز السلام وحماية المدنيين، وتنشيط النظام المتعدد الأطراف.
وصعد العشرات من زعماء العالم، الثلاثاء، إلى المنصة الرخامية الخضراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحديد مواقفهم وتطلعاتهم في شأن القضايا التي تعني بلدانهم وشعوبهم ومستقبلها، وسط إصرار جلالة الملك عبد الله الثاني على منح المنظمة الدولية زخماً جديداً يمكنها من الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في تسوية النزاعات الحالية، مثل حربي غزة وأوكرانيا، ونزع فتيل النزاعات التي تنذر بالتوسع سواء أكانت في السودان أو مع إيران أو حول تايوان، والتفرغ لقضايا مصيرية مشتركة مثل تغيّر المناخ وتقدم الذكاء الاصطناعي.
وفيما واصل الآلاف من كبار زعماء العالم والمسؤولين الذين يمثلون الدول الـ193 في الجمعية العامة والدول والهيئات المراقبة وممثلي المئات من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المجيء للمشاركة في أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية، تتصاعد ألسنة العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وزيادة المخاوف من اتساع حرب غزة في اتجاهات مختلفة.
وتحدث الملك كزعيم عالمي مسؤول يدرك أهمية الحفاظ على مصداقية الأمم المتحدة والنظام متعدد الأطراف باعتباره السبيل الوحيد للعبور الى عالم أكثر سلاما وامنا يحكمه القانون والخلاق والقيم الأنسانية بعديا عن السياسة والصراعات الوجودية، لأن ما يحدث في غزة يشكك في هذه المصداقية وتلك المواثيق ويجعل اوراقها في مهب الرياح؛ لما يراه العالم والأجيال المستقبلية من ازدواجية ونفاق دولي بعدم التدخل والصمت على جرائم الاحتلال الاسرائيلي التي ترتكب على مدار العام ومنذ بدء الاحتلال لفلسطين وبحق شعب أعزل دون أي تدخل خارجي بيد أن التحرك لحماية مبادئ القانون الدولي وأهمية صيانته أصبح أولوية ينتظرها محبو السلام؛ لأن هناك من لم يعد يؤمن بهذه المبادئ.
وخطاب جلالة الملك عبدالله الثاني تاريخي بحيث وضع جلالته المجتمع الدولي والدول المؤثرة في الحرب الدائرة على غزة والضفة الغربية ولبنان أمام مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه تصاعد لهبها، وبما اتسم من شمولية وموضوعية كزعيم يؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها وصون كرامتها، معتمدًا على فهم جلالته العميق للحقائق والمخاطر الراهنة ونوايا الاحتلال الاسرائيلي الطامعة، وقد عكس هذا الخطاب قراءة دقيقة للتطورات التاريخية للصراع (العربي الأسرائيلي) والتحديات التي تواجه المنطقة، حيث سلط جلالته الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية التي تتجاهل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني والدوس على اتفاقياتها، وما ينتج عن ذلك من تصعيد للتوترات التي تهدد السلام في المنطقة والعالم باسره.
وبالتالي، يُعد هذا الخطاب بمثابة إطار عمل ضروري وعنوان كبير للتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل واقعي وفعال في ظل معايشة العالم صراعاً خطيرا يهدد الأمن والسلم العالميين، وتضعه أمام اختبار حقيقي لإعادة الثقة بقدرته على تحقيقهما.
ويأتي هذا الخطاب برسالة عالمية عميقة في وقت عصيب يحتاج فيه العالم الى الحكماء، حذر فيه جلالته قادة العالم من خطورة النتائج السلبية المتأتية للعدوان الاسرائيلي على غزة ولبنان؛ بسبب انعدام العدالة ونهج البعض للانتقائية وغياب المساءلة القانونية، وبشكل وفر للأسف للاحتلال حصانة لغياب الردع والمساءلة، مقابل وجود صوت عالمي ووعي إنساني حر يؤمن بحقوق الآخرين وحق الشعب الفلسطيني المحتل والاسرائيلي العيش بسلام، ويتمثل في قرار محكمة العدل الدولية الذي دعم الحق الفلسطيني إلى جانب موجة التذمر والاحتجاج العالمي من سياسة دولة الاحتلال والمطالبة بفرض العقوبات عليها ولجمها عن ممارستها العدوانية تجاه شعوب المنطقة والعالم.
ختاما سيبقى الأردن السند والداعم للفلسطينين والقدس مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، ويرفض فكرة تهجيرهم عن وطنهم التاريخي فلسطين العربية وضرورة استشراف آفاق جديدة مطلوبة لتحقيق للسلام.