لا نحتاج إلى مزيد أدلّةٍ على أنّ الشعوب الغربية- وربّما غير الغربية- تحمل الكثير من مشاعر الكراهية للإنسان العربي، وليس أدلّ على ذلك مما نجده من التأييد الغربي الأعمى للرواية الصهيونية لدى وقوع أيّ مواجهة بين دولة عربيّة أو دول عربيّة والكيان الصهيوني المحتلّ، وغضّ الطرف بكلّ الوسائل السياسية والدبلوماسيّة والإعلامية عن الجرائم الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني ومحاولات تسويغها، فضلاً عن الدعم العسكري والماليّ والسياسيّ الذي يتلقاه الصهاينة من الإدارات والمؤسّسات والشركات الغربيّة، ويكفي أن نطالع ما تحفل به وسائل الإعلام الغربية والأعمال الأدبية والفنية الغربيّة من صور التشوية وإثارة الكراهية ضدّ الإنسان العربيّ.
ولا يستطيع أيّ دارسٍ أو مؤرّخ أو محلّل سياسيّ أن ينكر الحقد المتوارث الذي تحمله تلك الشعوب منذفجر التاريخ ضدّ الإنسان العربي ومروراً بهزائم الروم في معارك الفتح الإسلامي ثم عصر الحروب الصليبية وصولاً إلى عصر الاستعمار الأوروبي للدول العربيّة وما تمخض عنه ذلك العصر من زراعة السرطان الصهيوني في جسم الوطن العربي.
وإلى جانب هذا الحقد المتوارث يمكن الإشارة إلى آفة خطيرة في العقل الغربي، وهي آفة عدم تقبّل ثقافة الآخر سواءً أكان عربيّاً أم غير عربيّ، وعدم اقتناعهم بأنّ الاختلاف بين الثقافات هو سمة ملازمة للوجود الإنساني وللمجتمعات، حتّى إنّ المجتمع الواحد كثيراً ما يشهد اختلافات ثقافية بين مكوّناته، حين تختلف هذه المكوّنات في العقائد والعادات والتقاليد والفنون والأزياء والأطعمة والألوان وغير ذلك. غير أنّ هؤلاء الغربيين يرون في اختلاف الشعوب الأخرى عنهم اختلافاً ثقافياً معاداة لهم، مع علمهم أنّ ما ينشأ عليه الناس من عادات وتقاليد وأفكار وطباع وغير ذلك ليس من اختيارهم، بل ممّا وصل إليهم عبر الأجيال، فليس أحد من الناس مسؤولاً عن لون بشرته أو لغته الأمّ أو عقيدة أهله أو ما ورثه من العادات والتقاليد والفنون واللباس والطعام. والدليل على نزعة الغربيين لمعاداة كلّ من يختلف عنهم ثقافيّاً ما نجد يوميّاً من حوادث مهاجمة المسلمين والعرب في شوارع لندن وباريس وألمانيا وأمريكا، وحوادث الاعتداء على النساء المتحجبات، وسنّ قوانين لمنع ارتداء الحجاب والكوفيّة في عدد من الدول الأوروبية ولا سيّما في فرنسا وألمانيا. وليس أدّل على تفشّي العنصرية البغيضة في المجتمعات الغربيّة ممّا نسمعه باستمرار من وسائل الإعلام الغربيّة من وصف مرشّحة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية كامالا هاريس بأنّها المرشّحة ذات الأصول الملوّنة، مع أنّ هاريس قد أيّدت في بيانها الانتخابي للرئاسة حقّ (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها، ووصفت المقاومة الفلسطينية بالمنظمات الإرهابيّة.
ومن الأسباب المؤدّية إلى الكراهية المتفشيّة في المجتمعات الغربيّة للعرب والمسلمين ما تنشط به وسائل الإعلام الصهيونية أو التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية من تحريض ضدّ العرب والمسلمين وتشويه محموم لصورتهم، وأكثر ما يزيد من تشويه صورة العرب والمسلمين على هذا النحو الذي يزيد من الكراهية لهم والحقد عليهم أنّ معظم وكالات الأنباء العالميّة يمتلكها ويديرها صهاينة أو مؤيّدون للصهاينة، وهم الذي يبثّون سمومهم في الرأي العالم العالمي وفي أدمغة الشعوب الغربيّة. وإلى جانب وكالات الأنباء العالمية هذه ومحطات التلفزة الأمريكية والأوروبية المشهورة عالميّاً نجد وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والإنستغرام وغيرهما تحدّد سياساتها بما يتناسب والمصالح الصهيونية، وتقوم بمحاولة حجب الصوت العربي والرواية العربيّة والفلسطينية لقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وفي مقابل النشاط الإعلامي الصهيوني داخل المجتمعات الغربيّة نجد تقصيراً وعجزاً عربيّين عن مجاراة الإعلام الصهيوني بسبب تفوّق تكنولوجيا الاتصال الغربيّة، وبسبب غياب وحدة الصوت الإعلامي العربي.
وليس من المنطقي أنّ نحمّل غيرنا مسؤولية هذه الكراهية بالكامل دون أن تكون لنا يدٌ في ذلك، فقد يكون بعض هذه الكراهية عائداً إلى سلوكيّات بعض العرب في بلدان الغرب بما يخلّف انطباعات سلبيّة لدى أبناء تلك البلدان، سواءً من خلال العلاقات الشخصية أو التعاملات التجارية أو غير ذلك، إلاّ أنّ تأثير هذا العامل قد يكون محدوداً إذا ما قيس بأسباب أخرى. وأهمّ هذه الأسباب في نظري أن الصورة التي يتركها العرب في أذهان أبناء المجتمعات الغربية هي صورة لا تؤدي إلى النظر للعرب بعين التقدير، فالنزاعات البينيّة العربيّة التي لا تستند إلى أسباب مقنعة تخلق لدى الإنسان الغربي أو المراقب الغربي انطباعاً مشفوعاً بالأدلة والشواهد على أنّ العرب أمّة تعيش حالة من التخلّف والنزوع إلى الشرّ والدمويّة، ولذلك نراهم يصنّفوننا على أنّنا حيوانات، ويعاملوننا على هذا الأساس فيستحلّون دماءنا ويستبيحون بلداننا ومقدّراتنا.
ولئن كانت النزاعات العربية البينيّة أو الداخليّة سبباً في تشويه صورتنا وتعزيز كراهية شعوب العالم لنا فإنّ تقصيرنا في الدفاع عن أبنائنا وأوطاننا التي تتعرّض للظلم والاضطهاد والاحتلال والعدوان من عدوٍّ خارجيّ يزيد من ازدراء تلك الشعوب لنا وعدم احترامها لنا مهما تقرّبنا لها أو مهما بذلنا لها من صور الاستلطاف والمجاملة والاستعطاف والاسترضاء، لأنّهم يرون في النهاية أنّ من لا يراعي ذمّة أخيه وأبناء جلدته لن يكون صادقاً في مراعاة ذمّة الأبعدين، كما أنّ الشعوب- أيّاً ما كانت- لا تحترم الضعفاء ولا من يتنازلون عن حقوقهم أو يغضّون الطرف عمّن يستفزّهم وينال من بلدانهم وكراماتهم، ولعلّ ما تشاهده تلك الشعوب من إفراط الدول العربيّة في دبلوماسيتها وحساباتها وتردّدها وحياديّتها في التعامل مع العدوان الصهيوني الغاشم على غزّة ومدن الضفّة الغربيّة، يجعل تلك الشعوب تنظر بعين الاستضعاف وعدم الاحترام للعرب، وكثيراً ما يتحوّل هذا الشعور إلى شعور بالكراهيّة واتخاذ مواقف معادية للعرب.
أمّا مسيرات الدعم للفلسطينيين في الجامعات وشوارع المدن الأمريكية والأوروبيّة، فهي ليست بالضرورة أن تكون تعبيراً عن حبّهم للعرب، بل إنها مدفوعة بعاملين، أولهما استنكار المجازر التي يذهب ضحيتها النساء والأطفال، والثاني احترام معاني البطولة التي يبديها المقاومون الفلسطينيون على قلة تسليحهم، ولذلك نجد هؤلاء الذين يقدّرون البطولات يرفعون شعار تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر.