لم تكن حكومة نتنياهو وقادة جيش العدو يتوقعون أن تطول الحرب على قطاع غزة الى هذا الوقت! مرت عشرة أشهر وهي تقترب من اكمال عامها الأول في 7 تشرين الأول المقبل، تكبدت قوات الاحتلال خلالها خسائر كبيرة في الجنود والضباط والدبابات والمدرعات بمختلف أنواعها، فقد كانوا يعتقدون أنها مثل الحروب السابقة على غزة، أو التي شنتها على الجيوش العربية على امتداد تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، تنجز المهمة خلال أيام أو بضعة أسابيع على أبعد تقدير!
وهذه الحرب تتناقض مع طبيعة الكيان الصهيوني، الذي تعود على حروب خاطفة، لأن الحروب الطويلة تشل دولة الاحتلال وتستنزفها اقتصاديا وماليا وبشريا وفي الخسائر العسكرية.
ومن هنا فقدت حكومة الاحتلال أعصابها، وترتكب المجازر المهولة في «محرقة» تعيد الى الأذهان جرائم النازية، حيث تستهدف المدنيين العزل وتقصف البيوت والمربعات السسكنية والمرافق المدنية، من مستشفيات ومدارس تأوي النازحين الذين شردوا بسبب القصف الهمجي!.
ومن جهة أخرى أعتقد أن «كتائب القسام» التابعة لحركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة مثل حركة الجهاد الاسلامي، لم يكن في حساباتهم أن تطول هذه الحرب أيضا الى هذا الوقت، ربما كانت تقديراتهم مبنية على رد قوات الاحتلال على عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها » القسام»، ومعها بعض فصائل المقاومة في 7 أكتوبر عام 2023، وأن تستمر الحرب على القطاع مثل الحروب السابقة بضعة أيام أو بضعة أسابيع، وعلى أبعد تقدير لا تزيد عن شهر، وردت اسرائيل بعدوان واسع سمته «السيوف الحديدية"!
والمؤكد أن في ذاكرة المقاومة الحروب السابقة التي شنتها اسرائيل، وهي العدوان الذي بدأ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، وأطلقت عليها اسم «عملية الرصاص المصبوب»، وردت عليها المقاومة الفلسطينية بعملية سمتها «معركة الفرقان»، وأسفرت هذه الحرب عن أكثر من 1430 شهيدا فلسطينيا، منهم 400 طفل و240 امرأة و134 شرطيا، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح، ودمرت نحو 10 آلاف منزل واستمر العدوان 23 يوما، واعترف الاحتلال بمقتل 13 إسرائيليا، بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، شنت إسرائيل عدوانا على القطاع استمر 8 أيام
سمتها «عامود السحاب»، وردت عليها المقاومة الفلسطينية بمعركة «حجارة السجيل».
واستشهد في هذا العدوان نحو 180 فلسطينيا، بينهم 42 طفلا و11 امرأة، وجرح نحو 1300 آخرين، في حين قتل 20 إسرائيليًا وأصيب 625 آخرون.
وأطلقت إسرائيل في 7 يوليو/تموز 2014 عملية سمتها «الجرف الصامد»، وردت عليها المقاومة بمعركة «العصف المأكول»، واستمرت المواجهة 51 يوما، وأسفرت هذه الحرب عن 2322 شهيدا و11 ألف جريح، في حين قتل 68 جنديا إسرائيليا وأصيب 2522 بجروح بينهم 740 عسكريا.
معركة «صيحة الفجر» صباح يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، واستمرت بضعة أيام استشهد خلالها 34 فلسطينيا، وجرح أكثر من 100 آخرين.
واندلعت معركة «سيف القدس» التي سمتها إسرائيل «حارس الأسوار» عام 2021، بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، واقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى، وأسفرت هذه الحرب عن نحو 250 شهيدا فلسطينيا وأكثر من 5 آلاف جريح، وأسفرت عن مقتل 12 إسرائيليًا وإصابة نحو 330 آخرين.
وفي 5 من أغسطس/آب 2022 شنت إسرائيل عدوانا اسمته «الفجر الصادق»، وردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية سمتها «وحدة الساحات»، واستشهد خلالها 24 فلسطينيا بينهم 6 أطفال، وأصيب 203 بجروح مختلفة. لكن معركة «طوفان الأقصى» وتداعياتها أكلت الأخضر واليابس، وأسفرت خلال عشرة أشهر عن نحو 40 ألف شهيد، وحوالي عشرة ألاف مفقود تحت الأنقاض، وما يقارب 100 ألف جريح وتدمير هائل ونزوح نحو مليوني شخص وانتشار الأمراض والأوبئة.. ولا أظن أن حماس كانت ستنفذ «طوفان الأقصى» لو كانت التوقعات بأن يتعرض القطاع الى هذه «المحرقة"!
أما «جبهة الاسناد» التي فتحها حزب الله من جنوب لبنان، بهدف تخفيف الضغط العسكري الاسرائيلي على قطاع غزة، فقد تسببت بأن يقف لبنان على «ركبة ونص"!، حيث لقيت معارضة كبيرة من قبل قوى وأحزاب وكتل برلمانية وشرائح اجتماعية واسعة، فكانت تقديراته أيضا أن الحرب لن تطول وستنتهي خلال شهر على أبعد تقدير، لكن النتائج كانت اغتيال أكثر من 500 عنصر وقيادي من مقاتلي الحزب، فضلا عن دمار هائل في قرى الجنوب ونزوح ما يزيد عن 100 ألف شخص من بيوتهم!.