لم يكن مفاجئًا أن تعلن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن مشروع جديد لبناء جدار “أمني” على امتداد الحدود مع الأردن. فهذه عقلية الاحتلال، كلما ازداد ارتباكه الداخلي أو تضخمت أزماته، لجأ إلى الجدران. لكن المختلف هذه المرة أن الجدار يُوجَّه نحو الأردن، الذي جُرِّب في الحرب، كما جُرِّب في السلام، وعُرف بثبات موقفه، ونظافة يده، وصدقه في الالتزام بالمواثيق الدولية.
لقد جربونا في اللطرون، وباب الواد، والكرامة، وغيرها من محطات العزّ الوطني والعسكري، حيث كتب الجيش العربي بدمه صفحات من المجد والبطولة.
وجربونا أيضًا في السلم، حين التزمنا بما وقّعنا عليه، واحترمنا المواثيق الدولية، وتحملنا أثمانًا سياسية واقتصادية دفاعًا عن الاستقرار وحمايةً لحقوق الأشقاء في فلسطين.
واليوم، نواجه مشروعًا لا يخفي نواياه: عزل الضفة الغربية عن عمقها الأردني، وتهميش دور المملكة في القدس، وتكريس واقع سياسي على الأرض بعيدًا عن أي توافق أو مرجعية.
ولعلّ أخطر ما في هذا المشروع أنه يتعامل مع الأردن كمساحة قابلة للتطويع، لا كدولة ذات سيادة ودور تاريخي وشعبي لا يمكن تجاوزه.
وهنا لا بد من وقفة وطنية جامعة. فالمسألة ليست مشروع جدار فقط، بل محاولة لاستفزاز الكرامة الأردنية، وتجاوز الخطوط الحمراء التي سطّرناها بالدم والموقف والحكمة.
سياسيًا، لا بد من إعلان موقف صريح بأن هذا المشروع مرفوض، وأنه يتعارض مع معاهدة السلام، ويهدد أسس الاستقرار الإقليمي.
ودبلوماسيًا، يجب إطلاق حملة تحرك دولي تكشف الأهداف الحقيقية للجدار، وتحشد موقفًا دوليًا ضاغطًا لوقفه.
وفي هذا السياق، لا بد أن نُشيد بالجهود الكبيرة التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، في الدفاع عن الثوابت الوطنية ومكانة الأردن الإقليمية والدولية، حيث يقود جلالته بحكمة واقتدار تحركات سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى لإبراز خطورة هذا المشروع أمام المجتمع الدولي.
كما نثمّن الدور الفاعل الذي تقوم به وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، بتوجيهات ملكية سامية، في متابعة هذا الملف الحساس في كافة المحافل الدولية، وتأكيد الموقف الأردني الصلب الرافض لأي مساس بسيادة المملكة أو بدورها التاريخي والشرعي.
أما داخليًا، فالمطلوب اليوم أن نرتقي بخطابنا الوطني، ونرمم جبهتنا الداخلية، ونحصّن مؤسساتنا، فالمعركة ليست مع الاحتلال فقط، بل مع أي محاولة للنيل من وحدتنا وموقعنا ودورنا.
لقد أثبت الأردن، قيادةً وشعبًا، في كل مفترق حاسم، أنه ليس عابرًا في هذا الإقليم، بل رقم صعب، وصاحب موقف، وعنوان كرامة.
وإذا كان الاحتلال يظن أن الجدران تمنحه أمانًا، فليعلم أن هذا البلد تحرسه القلوب الصادقة، وتُحصّنه الذاكرة النضالية، وتُوجّهه البوصلة القومية.