د. محمد كامل القرعان
بعد أكثر من ثمانية اشهر من الحرب المفتوحة على غزة لم تتمكن دولة الاحتلال(إسرائيل) من تحقيق أهدافها ورغم موقف الغرب الأعمى وراء إسرائيل في كل ما تفعله والذي أضر بسمعة الغرب لا أمام العالم وحسب، بل وأيضا بين شعوبه التي تشعر بالعار وهي ترى أنها صارت تمول الهمجية وعمليات القتل بأموال الضرائب التي تدفعها.
وأمام اعترافات جنرالات اسرائيلين بمئات القتلى من الجنود الاسرائيلين ، وآلاف المصابين ، ثم انسحابها من الأراضي التي احتلتها في غزة وتركها ، الى جانب تماسمك الموقف الشعبي الفلسطيني وازدياده تماسكا وصلابة ضد الهمجية الإسرائيلية، ومَن يحب حركة حماس ويناصرها ومَن يمقت الحركة ويعتبرها خروجا على تاريخ النضال الوطني المسلح لا يملك سوى أن يقف ضد الهمجية الإسرائيلية التي لم تنتج عن خطأ متعمد ارتكبه اليمين بقيادة نتنياهو، بل تقع في صلب العقيدة الصهيونية التي لا ترى في الفلسطينيين سوى حشرات وليس من الوارد في عرفها أن يتساوى مقتل الآلاف من الفلسطينيين بمقتل إسرائيلي واحد.
والحديث عن «فقدان الروح القتالية» بين جنود الاحتلال الإسرائيلية وعدم جاهزيتهم لأي حرب مقبلة، وقد ثبتت صحة ذلك وأسوأ بكثير، فهم يأملون أن لا تقع حربٌ خلال خدمتهم في الجيش.
والتطرق لنتائج دخول جيش العدو إلى غزة . والآثار السلبية على الكيان اجتماعياً واقتصاديا وسياسيا ً، وعلى موقف العالم المناهض للاحتلال ولعدوانه على قطاع غزة والتعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية.
وقد ثبت في العرف العسكري أن جيشُ الاحتلال هش وغير مهيأ للقضاء على «حماس»، ويعزو ذلك إلى تقليص الجيش الإسرائيلي، على مدى سنوات ، حتى أصبح جيشاً «صغيراً جداً». و ليس هناك جيش في العالم يحتل أرضاً، وبعد أن يحتلها، ويدفع أموالاً طائلة، يخرج ويترك الأرض الى جانب عودت الآلاف من المقاتلين الفلسطينيين، إلى مدينة غزة، وجباليا، والزيتون والشجاعية، والآن أيضاً إلى خان يونس، وقد سيطروا على 80% من الأرض التي قام الجيش الاسرائيلي باحتلالها. والمقاومة تعيد بناء قوتها وبناء قدراتها العسكرية من جديد، ومن المؤكد بأنها ستعود إلى سابق عهدها خلال المقبل من السنين.
إن معظم الإسرائيليين، أو ما نسبته 77 في المئة، يعتقدون أن حركة حماس انتصرت، حتى الآن، في الحرب الدائرة في قطاع غزة و37 في المئة من المصوتين المؤيدين لليمين الإسرائيلي يعتقدون أن حماس انتصرت في الحرب، مقابل 4 في المئة يعتقدون أن إسرائيل هي التي انتصرت.
لم تقتصر خسارة اسرائيل عسكريا وضرب هيبة جيشها وكسرها، فالإبادة الجماعية أضرت بإسرائيل إذ أن قتل الآلاف من الأبرياء المدنيين قد عمل لصالح الفلسطينيين، لأن صور ذلك انتشرت في العالم وتسببت لاسرائيل بأضرار كبيرة. فصورة الأم التي تحمل طفلها، والضحايا بين أنقاض بيت تم تدميره، يجعلهم منتصرين في كل العالم الذي أصبح يعادي اسرائيل اليوم ويعزلها، ولا يطيقها، وهذه هي البداية، وسيكون الوضع أكثر صعوبة.
والأسوأ بالنسبة لإسرائيل أن آلاف المقاومين سوف ينتقلون إلى الأراضي الآمنة في غزة ، وخسارة الحرب تعني الانهيار .كما ان اجتياج رفح أدى إلى فقدان السلام مع مصر، ومع الدول العربية لا سيما الاردن ، والعالم، وفقد الاسرى ، وفقدان الدقيقة الأخيرة الاحتمال الوحيد الذي تبقى لدولة الاحتلال.
كما أن عملية رفح تتسبب بضررٍ كبيرٍ جداً لإسرائيل، ولجيشها، ولن يتحقق أي شيء من هذه العملية ولا توجد طريقة للتغلب على المقاومة وحتى لو بقيت اسرائيل في غزة فلا يوجد طريقة للتغلب على حماس ؛فالهجمات التي سنقوم بها ستكون حرب استنزاف لسنوات وفي ظل اتساع رقعة الحرب واستمرار انهيار اسرائيل من الناحية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدولية. وهذا ما يحدث الآن. ونتنياهو وغفير وسميترش ومعه الوزراء وأعضاء الكنيست، الذين يقولون يجب أن نستمر في القتال حتى نحقق النصر، يريدون أن تستمر الحرب بأي ثمن، لأنهم لا يملكون أي بديلٍ آخر يلجؤون إليه.
خلاصة القول: كذب مقولة الجيش الذي لا يُقهر، هذه هي الصورة القاتمة التي رسمها واحدٌ من قادة جيش العدو، تُظهرُ بوضوح أن اسطورة الجيش الذي لا يُقهر كانت عبارة عن كذبة كبيرة، بغض النظر عمن اخترعها وروج لها. وها قد جاء اليوم الذي مرغ فيه نفرٌ من المقاتلين الأشداء أنفَ جيشٍ كان يُعتبر من أوائل جيوش العالم. اذا هذه الهزيمة لإسرائيل تؤكد امر واحدا وهو ان لا خيار امام اسرائيل الا الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني وقبول اقامة الدولة الفلسطيينية وعاصمتها القدس الشرقية.