لـ الراي كثير من الحكايات التي ترسم لوحةً مكتملةً للأردن وتحولاته، وحتى قبل أن تصدر الجريدة التي تأسست لتكون صوتًا للأردن الدولة والمواطنين، فإن مشروعها كان يثير التخوف لدى بعض الأطراف التي اعتادت أن يبقى الأردن صامتًا بينما يتحدث الآخرون نيابةً عنه، ففي زمن التأسيس كان الأردن حاضرًا في الخبر السياسي العربي، وكان كثيرون يكتبون حوله، من القاهرة وبيروت وبغداد ودمشق ولارنكا ولندن، إلا أن الكثير مما كتب لم يكن منصفًا، كان لأسباب كثيرة، متحيزًا بصورة لا تخدم الأردن وتجربته وثوابته وطموحاته، ولا تراعي فكره وخصوصياته.
كان ظهور الرأي في الثاني من حزيران 1971 إيذانًا بمولد صحيفة كبيرة من يومها الأول، وحظي جيل المؤسسين في الرأي بالدعم والرعاية من الدولة كلها ليستطيعوا خلال أشهر قليلة أن يتواجدوا على الساحة العربية، ولم يكن عقد من الزمان يمضي حتى أصبح تواجد الرأي في المكتبات وأكشاك الصحف في مختلف العواصم العربية أمرًا شائعًا، ولعل ما حققته الرأي خلال السنوات الممتدة من الانفراجة الديمقراطية سنة 1989 وصولًا إلى العقد الأول من الألفية الجديدة يدلل أنها كانت تمثل جزءًا أصيلًا من يوم الأردنيين وأمسياتهم.
وقفت الرأي وراء الدولة، وحملت رسالتها التي تعبر عن مصالح الأردن وأولوياته، وقدمت الكثير من الكتاب الذين مارسوا النقد البناء والمسؤول، لتصبح الصحيفة الأولى في الانتشار والتأثير، ولسان حال الدولة والمجتمع، وأسهمت في تشكيل الثقافة الوطنية في معانيها ومستوياتها المختلفة.
الرأي ليست مجرد صحيفة ورقية، فالشكل ليس مهمًا، والجريدة تواصل عملها في الأيام التي لا تصدر فيها النسخة الورقية، فالرأي في جوهرها من أدوات الأردن الفكرية والإعلامية والثقافية، وجزء من الهوية العامة للبلاد وبصمتها على المؤسسات والأفراد، وذلك ما يدفع جميع العاملين في الرأي للالتفاف حول هذا المبدأ ورعاية هذه القناعة حتى في الأوقات العصيبة التي واجهتها ماديًا ومعنويًا.
تبقى الرأي صوت الأردن والأردنيين، ومن يختزلها في أرقام وعناصر مادية، كمن يحاول أن يختزل الوطن في بعض المؤشرات والرسوم البيانية، ولا يدرك أن الدولة التي صمدت في وسط زلازل المنطقة وعواصفها تستند إلى روحها المؤمنة وذاكرتها اليقظة، والرأي كانت وستبقى في المسيرة لا تحيد عنها ولا تفارقها، ولا تتخلف عن متطلباتها، الرأي تعبير عن الأردن العروبي الأصيل المعتدل والقوي وصاحب المنعة المخلص لقيادته والواثق في أبنائه.
الرأي حملت أمانة الرسالة ولها أن تحتفي بذلك في الذكرى الثالثة والخمسين لتأسيسها، والرسالة ستبقى مهما تأخرت في الوصول لأن الرأي أرشيف الوطن الحقيقي ونبضه الحي عبر الأجيال.