بالرغم من تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي وضراوة الجولة الأخيرة المتمثلة في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تبدو مدينة رفح والتهديدات الإسرائيلية المتوالية باجتياحها ستكون نقطة فاصلة في هذا الصراع وسوف تفتح جولة جديدة بمعايير مختلفة وارتسام ملامح النظام العالمي الجديد.
إذا ما أصرت حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو على المضي قدماً باجتياح بقعة صغيرة احتشد فيها ما يزيد على المليونين مواطن فلسطيني. يخشى الجميع عرباً وعجماً من حجم الخسائر البشرية التي يمكن أن تنجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية بغض النظر عن الاحتياطات المزعومة التي يمكن أن تتخذها إسرائيل، وهذا لن يفسح المجال حتى لأكثر المتعاطفين مع دولة الاحتلال(إسرائيل) أو حلفائها أن يتسامح مع هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا، بل إن هيئات دولية ومنظمات إنسانية بدأت تدق ناقوس الخطر حتى وصف مدعي عام الجنائية الدولية بأن سيناريو الهجوم الإسرائيلي على رفح هو سيناريو مرعب.
الأزمة الثانية التي يتوقعها الجميع وهي مسألة التهجير القسري، فوعود نتنياهو لا يأخذها أحد على محمل الجد عندما قال إنه سوف يفتح ممراً للمدنيين، حتى أن جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تساءل إلى أين يريد نتنياهو أن يتحرك المدنيون، هل إلى القمر؟ّ! والأخطر ربما أزمة العلاقات الإسرائيلية المصرية، فالبعض من الخبراء يتوقعون بأن هدف حكومة نتنياهو دفع المدنيين إلى اجتياز الحدود المصرية والوصول إلى شبه جزيرة سيناء كما يدعو اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهذا سوف تكون له نتائجه الكارثية خصوصاً أن مصر هددت بتعليق اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، وهذا أمر ترى الدول الغربية أنه تهديد للأمن والسلم الدوليين. فاجتياح رفح لن يكون بالضرورة عملية ناجحة تؤدي إلى تحرير الاسرى.
بل لعل السيناريو الأكثر واقعية سقوط العديد من المدنيين.وكما هو متوقع لن يؤدي اجتياح رفح إلى نصر إسرائيلي بل على النقيض دخول إسرائيل في حرب استنزاف دموية أكثر مما هي الآن، بل إن برميل البارود المتمثل في بؤر عدة في المنطقة مرشح للانفجار بشكل يصعب التحكم به. الكثير بات يدرك بأن ما يحرك حكومة الاحتلال الإسرائيلية ليس المصالح الإستراتيجية أو حتى الأهداف العسكرية ولكن البعد الأيديولوجي لهذه الحكومة وكذلك الأهداف الضيقة لشخوصها وعلى رأسهم رئيس الحكومة نتنياهو، رغم ان البعض برجح ان ما بعد رفح سيكون الحزب في جنوب لبنان.
كما حذر جلالة الملك عبد الله الثاني، الرئيس بايدن شخصيًا في واشنطن لتجنب الهجوم على رفح بسبب مخاوف من «امتداد إقليمي». ولعل إسرائيل بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمن يسدي لها النصيحة بأن من يشعل النيران سوف يكتوي بها.