فرانسيسكا ألبانيزالمقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ليست عربيّة اللسان، لكنّها عربيّة الروح والقلب وهي تتحدث عن الحقوق الفلسطينية الضائعة والجرائم الإسرائيلية المتواصلة في حقّ الفلسطينيين، وللسيّدة فرانسيسكا الإيطالية الأصل إخوة وأخوات كما هو الحال في (كان وأخواتها) في العربية، ووجه التشابه بين فرانسيسكا وأخواتها من جهة و(كان وأخواتها) من جهة أخرى هو أنّ لكلّ منهما تأثيراً وعملاً ملموساً، فإذا كانت (كان وأخواتها) ترفع الاسم وتنصب الخبر فإنّ فرانسيسكا وأخواتها وإ?وانها يرفعون أصواتهم في وجه الظلم الواقع على أهل فلسطين ويرفعون تقاريرهم عن هذا الظلم أمام أعين العالم كلّه.
لم تتردّد فرانسيسكا في قول الحقيقة وهي تدين ما يرتكبه الصهاينة في غزّة والضفّة الغربيّة وفلسطين كلّها يوم الثلاثاء الماضي26/ 3/ 2024، حيث قالت إنّ ما تفعله إسرائيل هناك هي جرائم إبادة وتطهير عرقي، وقالت إنّ حجم الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزّة يكشف عن نيّة مبيّتة لحرمان الفلسطينيين من الحياة وأن هناك أدلّة منطقية على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزّة، ودعت إلى الحظر الفوري لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وقد سبق للسيّدة ألبانيز منذ انتخابها في أيار 2022م مقرّرة خاصّة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية ال?حتلة أن فضحت الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني وكشفت ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد وقتل واعتقال ومصادرة أراضٍ وغير ذلك، وقد جعلها ذلك عرضة للتهديد والمضايقة والاتهام بمعاداة الساميّة.
ومن إخوة فرانسيسكا في هذا الموقف الإنساني المنصف والعادل الطبيب النرويجي مادس غيلبرت، من مواليد 1947 أي قبل قيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وهو عضو في اللجنة النرويجية الفلسطينية، تطوّع للعمل في قطاع غزّة منذ عام 2008 وعمل في مستشفى الشفاء وأجرى آلاف العمليات الجراحية للجرحى الفلسطينيين ولقبه أهل غزّة بالملاك، وهو ممّن حرص على توثيق المجازر والحروب الصهيونية بحق الفلسطينيين وألّف كتباً في ذلك منها: عيون في غزّة (2010)، وليل غزة (2014) وقد منعته إسرائيل من دخول غزّة.
ولم يكتف بتفنيد أكاذيب إسرائيل حول وجود قواعد عسكرية للمقاومة في مستشفيات غزة بل انتقد وأدان الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن بسبب دعمها إسرائيل في عدوانها على قطاع غزّة، وما زال إلى اليوم يستنكر الممارسات الإسرائيلية بشدّة ويدعو إلى وضع حدّ لها، ويتهم الجيش الصهيوني بمحاولة القضاء على كلّ مقوّمات الحياة في غزّة.
ومن أشهر أخوات فرانسيسكا، وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور التي وصفت بوريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزّة، وقد شهد العالم جهودها النوعيّة ودورها البارز في إصدار محكمة العدل الدولية في 26/ 1/ 2024 حكماً ضدّ الكيان الصهيوني وجرائمه في غزّة، وقد اتهمها الصهاينة نتيجة ذلك بأنها الذراع القانوني لحماس، وللسيدة ناليدي باندور مواقف مشرفة أدت إلى اعتبار الكيان الصهيوني الصهيوني دولة فصل عنصري.
ومن إخوة فرانسيسكا الذين يستحقون كلّ التقدير على مواقفهم المشرّفة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وهو من مواليد 1945 أي قبل نشوء الكيان االصهيوني في فلسطين، وبسبب مواقفه المناهضة للعدوان الصهيوني على غزّة والفلسطينيين والداعمة للشعب الفلسطيني قررت دولة الاحتلال إعلانه «شخصاً غير مرغوب فيه» بسبب تشبيهه الحرب على قطاع غزّة بالمحرقة النازية، وقد وصف ما تقوم به دولة الاحتلال بأنه إبادة جماعية وقد قامت البرازيل بطرد السفير الإسرائيلي وقطع علاقاتها مع الكيان بسبب الحرب على غزّة.
ومن أخوات فرانسيسكا في موقفها الإنساني أنيل شيلين المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية، فقد قدّمت استقالتها من وظيفتها احتجاجاً على سياسة بايدين حيال غزة وعلى استمرار واشنطن في تزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة التي ترتكب فيها المجازر ضد الفلسطينيين.
ومن إخوة فرانسيسكا في موقفها رئيس وزراء إيرلندا ليو إريك فرادكار الذي أعلن تعاطفه مع أهل غزّة والشعب الفلسطيني وقال بأنهم يذكّرونه بما عاناه الإيرلنديون من تهجير وتشريد وتمييز وتجويع، وكذلك نائبه ووزير خارجيته مايكل مارتن الذي قال بأنّ إسرائيل شنت حملة كاذبة ومضلّلة ضد الأنروا، كما انتقد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مواقفها ضدّ الأنروا، وأكّد أن إيرلندا سوف تنضمّ إلى جنوب إفريقيا في القضية التي رفعتها ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وقد هاجم وزير الخارجية الإسرائيلي إيرلندا بسبب ذلك.
هذا إلى مجموعة كبيرة من زعماء الدول والمسؤولين ورؤساء المنظمات الأمميّة ممّن أعلنوا بكلّ شجاعة وجرأة مواقفهم الرافضة للجرائم الإسرائيلية وأدانوا الدعم الأمريكي المطلق لهذه الجرائم، ويلاحظ أن الجامع المشترك بين هؤلاء جميعاً هو تعرّضهم للاتهام بمعاداة الساميّة ودعم الإرهاب وتعرّضهم للتهديد والضغوط المختلفة، وهم بذلك بستحقون منّا كلّ التكريم والتقدير.
إنّ دوافع فرانسيسكا ألبانيز وأخواتها وإخوتها لهذه المواقف الشجاعة هي دوافع إنسانية وقانونية وحقوقية، أما العرب والمسلمون الذين لم يحرّكوا ساكناً- إلا ما ندر- فعلى الرغم مما يتوقّع من وفرة الدوافع لديهم من قومية ووطنية ودينية إلى جانب الدوافع الإنسانية والحقوقية، فإنّهم يؤثرون الصمت وشعارهم: «فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ».
[email protected]