يأتي التوجيه بإصدار قانون للعفو العام من لدن جلالة الملك، ولكل سلطة في البلاد دورها في وضعه حيز التنفيذ، وتبقى ضرورة التأمل في الأمر الملكي السامي لأنه يحمل رسائله لجميع الأردنيين لأن قانون العفو العام يحمل بعداً اجتماعياً أصيلاً.
مناسبة العفو هي اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك لسلطاته الدستورية، والأردن بعد هذه المسيرة يتقدم بثقة في وسط منطقة شهدت تحولات كارثية أدت إلى تهديد بنية الدولة في أكثر من بلد عربي، أو في معظم البلدان العربية لتتضح الصورة التي نحن بصدد معاينتها، والأردن يمضي في مسارات إصلاحية وتحديثية متعددة، ولا يتوقف بحجة الظروف أو التحديات، فالملك بطبيعته مقاتل ينتمي إلى الجيش العربي المصطفوي، ويمتلك رؤية المقاتل التي تستطيع أن تعالج المشهد المعقد وتحدد الغاية المنشودة، وتمضي بإصرار تجاه تحقيقها.
يصدر القانون لمراعاة المصلحة العامة، ويوجه الملك بأن يبقى أي عفو في إطار تعزيز قيم التسامح وبث الروح الإيجابية في المجتمع، من خلال التخفيف في الأعباء على المواطنين والعمل على مساعدة من حاد عن طريق الحق وجادة الصواب في تصحيح مساره، ولا يتخطى ذلك إلى أي إضرار بالحقوق الشخصية أو المدنية، فالإطار العام هو مبدأ العدالة وسيادة القانون، ومعه، مقتضيات الأمن الوطني والسلم المجتمعي.
من هذه التوجيهات السامية تظهر الأولويات الملكية لإدارة المجتمع والدولة، تلك العلاقة المتداخلة التي تظهر في كل وقت في التقاطع بين التراكم التاريخي لمنجزات الدولة وتقاليد المجتمع من ناحية، وبين متطلبات المستقبل وما يستحضره من فرص وتحديات، وذلك للمحافظة على جوهر الأصالة والطموح في المجتمع والدولة معاً، والنظر في فلسفة العفو العام، والتوجيه الملكي وتطرقه للاعتبارات المرتبطة بقانون العفو العام فرصة من أجل بناء مقاربة اجتماعية لدور مختلف السلطات وجميع المؤسسات في الدولة الأردنية.
يطرح جلالة الملك مفهوم العدالة التصالحية وهو ما يستلزم من مكونات الدولة والمجتمع أن تنظر لهذا المفهوم وأن تستوعبه وتعمل على إدماجه في مختلف الممارسات والثقافة الأردنية، في ظل جسامة التحديات الماثلة أمام الأردن، ذاتيةً أو موضوعية، فالمفهوم لا يقتصر على فكرة العفو العام، ويبقى قابلاً للاستثمار بصورة منهجية في هذه المرحلة، وفي شتى أوجه الحياة.
مفهوم العدالة التصالحية، بالمناسبة، من المفاهيم التي كان الملك قدوة في تطبيقها، ووجه الدولة الأردنية في أكثر من مناسبة لأن تتخذها في مقدمة أدواتها لمعالجة الظروف الصعبة التي ألمت بالأردن والمنطقة العربية والعالم في السنوات الأخيرة، واستلهم جلالته المفهوم والتوازن المرهف والدقيق بين العدالة والتصالح من التراث الهاشمي العميق والضارب في التاريخ منذ أن قال النبي–صلى الله عليه وسلم – لأهل مكة، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وكم يحتاج الأردنيون، ومختلف الشعوب العربية أن تعيد استلهام هذا التراث مع جلالة الملك والمطروح في ?داثة مفهوم العدالة التصالحية التي يمكن أن تتحول إلى جزء جوهري من الثقافة الأردنية.