إن الشيء الوحيد الذي يمكن قوله بيقين تام عن حرب غزة فقدان الثقثة في «المجتمع الدولي»، ما سيبقى وصمة سوداء في ذاكرة التاريخ البشري؛ فالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين غيرت النظرة العامة للسياسة العالمية في ظل التدخل الدولي الخجول لإيقاف هذه الحرب ووضع حد للمجازر الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.
وما يجرى على أرض الواقع من البشاعة والاجرام وغياب العدل والانحياز للظلم والطغيان كان بمثابة أدلة دامغة على حجم وشراسة وفضاعة العدوان الإسرائيلي المتواصل على الغزيين، واللغة التي تستخدمها الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية والتي اعادت إنتاج الخطاب والاستعارات المرتبطة بالإبادة الجماعية والتحريض عليها.
هكذا كشفت حرب غزة زيف وهزلية السردية الإسرائيلية منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد أن تكشف زيفها أو مبالغتها وفق أكثر من تقرير وتحقيق أجرته مؤسسات دولية واممية؛ فهناك شعور نسبي عالمي بالاشمئزاز من الحرب التي تدور رحاها في غزة، و القصف الإسرائيلي «العشوائي» على القطاع بوصفه بأنه (جريمة حرب).
ومن المستحيل إغفال الشعور الذي انتاب الرأي العام العالمي ولا سيما العربي بالاشمئزاز الذي يقترب من العداء تجاه الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا وكل الداعمين لاسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة، وعجز العالم وتواطؤه في ايقاف هذا النزيف الدموي بحق أطفال غزة وشبابها وشيوخها ونسائها وقتلهم بدم بارد الا ان دولة الاحتلال الاسرائيلي لن تستطيع الإفلات من العقاب آجلا ام عاجلا، لأنها الدولة الواحدة المحتلة على وجه هذه الارض تتحدى العالم كله، وأن العالم كله غير قادر على فعل أي شيء حيالها. واثببت هذه الحرب بان امريكيا ?ا تعد صالحة كوسيط او كراعي للسلام والسلم العالميين، بيد أنه لم يعد بالإمكان الثقة في الأميركيين في لعب دور الوسيط في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي ظل دعوات من بعض الدول كالصين على ضرورة إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في غزة وهي طريقة مهذبة للتعبير عن أن عصر الهيمنة الأميركية قد ولى في العالم.
وقد اسهمت ازدواجية المعايير والكيل بمكياليين أن الغرب قد شوه النظام العالمي لما كشفته هذه الحرب من اجرام وانحاز تام للسردية الاسرائيلية وبما احدثت هذه الحرب من فجوة كبيرة بين شطري الشمالي والجنوبي من الكرة الأرضية، وفي الختام أن أحداث غزة استطاعت ان تغير السياسة العالمية، وتكشف الغطاء عن وجه الديمقراطيات الليبرالية «المزعومة» -(الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا)-والتي تسببت بتشويه سمعة النظام العالمي الليبرالي بمنحها رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف (بن يامين نتن ياهو) تفويضا مطلقا بم?ارسة أشكال جنونه ويسجل تاريخيا إبادة يهودية للفلسطينيين أو الهولوكوست القرن العشرين. الا أن شجاعة الشعب الفلسطيني واستبساله وتمسكه بحقه وارضه رغم معاناته وقدرته على التحمل قد غيرت تاريخ العالم.