لا بد من التأكيد مراراً وتكراراً على أن الموقف الرسمي الأردني يتماهى تماماً والموقف الشعبي وينسجم بالكامل تجاه وقف العدوان الاسرائيلي الهمجي على غزة، وفي هذا الاتجاه تحديداً فان دور الأردن تجاه القضية الفلسطينية ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة ومزيداً من الضحايا الابرياء واضح للجميع، ولا يحتاج للدفاع عنه.
هذا الوطن يتحمل وتحمل الكثير من أجل القضية الفلسطينية واشقائه العرب، ولا مجال للمزاودة في هذا الوقت على موقفه؛ فالأردن والأردنيون بقيادتهم الهاشمية قدموا كل ما يستطيعون للدفاع عن تراب الوطن، وعن حقوق الشعب الفلسطيني، وهنا وفي هذه المرحلة الدقيقة فان الوطنية الأردنية ستكون ناجزة ومستقرة ومعبرة عن ذاتها، وهي قادرة على أن تعبر عن حبها ودفاعها عن فلسطين وأهلها.
الأردن يواجه تحدياً كبيراً يتمثّل بأهمّ إشكالات هذه الخارطة في العلاقات الدولية، حيث أنّ السياسات الغربية تتبنّى عمومًا السياسات الإسرائيلية في المنطقة التي ترى بعين إسرائيلية؛ وهذا بحد ذاته يشكّل عبئًا على الدولة الاردنية بحكم توجهات وسياسات الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة الأميريكية الراعية لإسرائيل وامنها واستقراراها ومصالحها؛ ولذا فان الأردن يتحرك دائماً منطلقاً من علاقاته التاريخية مع هذه الدول وبحكم موقعه المهم، وخاصةً في المجال الأمني ومكافحة بالإرهاب.
وبالتالي فان جميع التحركات الأردنية الأخيرة وتحديداً منذ اندلاع العدوان الهمجي على غزة، فقد شكّلت علاقات المملكة الدولية إحدى روافع التأثير الجيواستراتيجي للمملكة في محيطها، ونظرًا للتحوّلات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية المتنامية في النظام الدولي وسياساته تجاه المنطقة العربية فقد تأثّرت بها- أي التحوّلات- السياسة الخارجية الأردنية، ومصالح الأردن الحيوية. ولذلك يواجه الأردن حاليا خيارات صعبة ومتعدّدة ويتعامل مع هذه التحولات بطريقة منهجية متوازنة دولياً وعربياً، والتي تتشكّل بانعكاسات بعضُها مرحلي وبعضُها استراتيجي على دور الأردن ومصالحه واستقراره وعلاقاته الخارجية.
في ضوء ذلك تشكّلت خارطة التعامل مع العدوان الإسرائيلي على غزة عبر رعاية المصالح الفلسطينية وحماية جوهرها ومنطلقها وهي التاكيد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحسب الاتفاقيات البينية والمواثيق الدولية والذي ترفضه حكومة الاحتلال المتطرفة ومجلس حربها المصغر، ويستثمر الأردن علاقاته التاريخية مع دول عالمية عديدة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
كما أنّ للأردن علاقات متوازنة مع المجتمع الدولي ومع كلّ من الصين وروسيا واليابان، إضافةً إلى علاقات متعدّدة مع دول أخرى في كلٍّ من آسيا وأوروبا وأفريقيا، لكنّها لا ترقى إلى مستوى علاقاته مع الدول الكبرى.
يدرك الأردن الأطماع الإسرائيلية في المنطقة، وقد شكل هذا الهاجس لدى قيادتنا الأردنية الحكيمة مصدر قلق للمستقبل وفي كثير من المحطّات، ومن ثمّ فإنّ تنامي بعض الخلافات السياسية حاليًّا مع الولايات المتحدة والغرب التي تسعى عمان للتعامل معها، خاصّةً فيما يتعلق بالعدوان على غزة وقبلها بـ «صفقة القرن»، وربّما يتسبب بخلق عددٍ من التحديات الجديدة لهذه العلاقات ولهذه المصالح، والتي قد تُؤثّر على الأردن في المجالات ذات الصلة.
غير أنّ محاولات الأردن تنويع خياراته الدولية بما في ذلك العسكرية والاقتصادية، وخاصة مع روسيا والصين تعدّ محاولة لتخفيف عبء تلك العلاقات القسرية في المرحلة الراهنة.
وعمومًا لا زال واقع العلاقات الدولية للمملكة يعمل على خدمة مصالحها الوطنية العليا بوصفها معيارًا ومتغيّرًا مهمًّا في مقاربة علاقات المملكة الخارجية، ويُحقّق لها دورًا إقليميًّا ودوليًّا مهمًّا في المنطقة. ذلك أنّ الأردن لم يتجاوب مع محاولات إقحامه في أعمال عسكرية خارج الحدود بضغوط غربية وإقليمية، بينما تعاون في المجالات الاستخبارية واللوجستية مع هذه العمليات فيما يتعلق بالجماعات الإرهابية ودفع بعض الأثمان العابرة مقابل ذلك. كما يواجه الأردن خيارات قسرية وأخرى متغيّرة في علاقاته الدولية، كما يواجه خيارات صعبة، وربّما معقّدة، إزاء تحوّلات السياسات الأميركية والغربية في المنطقة، ولاعتبارات العلاقات المتداخلة الاقتصادية والسياسية بين المملكة والغرب.
ومن هنا ما تزال هذه العلاقات محدّدًا أساسيًّا في رسم السياسات الأردنية الخارجية وفي بناء منظومة علاقاته الإقليمية والدولية على حدّ سواء وإزاء دورها في الصراع العربي- الإسرائيلي وعملية التسوية وخيارات الأردن المرحلية في علاقاته الخارجية في ظلّ التحوّلات.
التحوّلات الجارية في العالم والمنطقة، فرضت في جزء منها مزيدًا من الضغوط على المملكة فيما برزت بعض التناقضات المحدودة وخاصة ما يتعلق بموقف الاردن الثابت تجاه العدوان الاسرائيلي على غزة ودعوتها لوقف الحرب كليا بمنطق التوازن والعقلانية حتى لا نصل لمرحلة القطيعة (السياسي والاقتصادي والامني) كما إبّان الحرب الأمريكية على العراق، حيث حوصر الاردن اقصتاديا بميناء العقبة وأوقفت المساعدات الاقتصادية عام 1991، وكما في الموقف الأردني من الإجراءات الإسرائيلية التهويدية في القدس وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني، وأخيرًا في إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل خلافًا للموقف والقانون الدولي ولقواعد العلاقات الأردنية- الأميركية، والتي ربّما تتزايد الفجوة فيها في حال ذهبت الولايات المتحدة في بلورة مشروعها لتسوية القضية الفلسطينية بعيدًا عن مصالح الأردن ودوره ورؤيته للسلام في المنطقة.