قرار محكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الغاصب بتهمة ارتكابه جرائم إبادة جماعية في حربه الهمجية على غزة يُمثّل صفعة موجعة للكيان الذي اعتاد أن يرتكب أفعاله المشينة دون حتى مجرد إدانة، وبالذات من رعاته الكُثر في الغرب، والذين يُسارعون كل مرة للدفاع عنه وحمايته ومده بالدعم المادي والمعنوي.
هذه المرة قالت محكمة العدل كلمتها بوضوح، قابلةً دعوى جنوب أفريقيا ورافضةً طلب الكيان رد الدعوى؛ الأمر الذي يُعتبر مقدمةً لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرم الإبادة الجماعية.
بالطبع لم يأت القرار بما يتمناه كثيرون من أنصار السلم وحقوق الإنسان وحق الحياة وما طالبت به دولة جنوب أفريقياً نفسها، أي بالوقف الفوري للعدوان، الأمر الذي أثار تَحفّظ وحفيظة البعض؛ لكنه قرار مهم، ينطوي على مُعطيات وحيثيات يُمكن أن تُستثمَر من أجل الحصول على حكم صريح ضد الكيان بجرم الإبادة؛ ومن أجل العمل على إيقاف العدوان الغاشم.
في المرحلة الحالية يُعدّ إنجازاً مهماً أن يوضع الكيان في قفص الاتهام بجرم الإبادة الجماعية؛ وهذا ليس بالأمر الهيّن، لكيان ظن أنه فوق القانون وأن أعمال القتل والدمار والإبادة التي يقوم بها «مشروعة».
يُضاف إلى ذلك أن القرار يطلب صراحة قيام الكيان بخطوات عملية تُشكل في مجملها ما يُمكن أن يُعد وقفاً للعدوان؛ وبالذات إذا ما استُثمر الأمر من قبلنا على ثلاثة أبعاد على الأقل في الأيام المقبلة: قانونياً وإعلامياً وسياسياً.
مُهمٌ بعد صدور القرار أن يُشمّر القانونيون والإعلاميون والسّاسة عن أذرعهم لاستثمار القرار لصالح مواطني غزة وفلسطين عموماً، لأنّ القرار يُبنى عليه الكثير إذا قمنا باستثماره على النحو المرجو.
ومُهمٌ كذلك، رغم بعض الاختلاف في قراءة منطوق القرار، أن نُشكّل قراءة جمعية نتفق عليها، كي نتحرك قانونياً وإعلامياً وسياسياً، أولاً لأن الحرب على غزة وعلى الفلسطينيين لم تنته، والمطلوب إيقافها، وثانياً لأن القضية في محكمة العدل الدولية لم تنته، لا بل إنها بدأت للتو، والمطلوب متابعتها حثيثاً من أجل الحصول على الحكم النهائي: وهو تجريم الكيان رسمياً.
ولعل خير قراءة للقرار يمكن أن نتفق عليها هي التي صدرت عن وزارة الخارجية الأردنية، والتي تُعبر عن الموقف الرسمي الأردني، والتي نصّت على الآتي:
أولاً، إن القرار هو قرار «تاريخي».
ثانياً، إن القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية «منحها الاختصاص في النظر بارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة» وأن المحكمة ستمضي قدماً في محاكمة الكيان.
ثالثاً، إن القرار أقر «تدابير إجرائية فورية من شأنها أن توقف ارتكاب إسرائيل لجرائم قتل الفلسطينيين وإلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي بهم ».
وتخلص الوزارة إلى ضرورة العمل، على قدم وساق، من أجل «تنفيذ هذه الإجراءات التدبيرية بشكل فوري». وهذا هو المطلوب في المرحلة الحالية، وهذا هو ما عمل الأردن، بقيادة جلالة الملك، ويعمل من أجله منذ بدء العدوان الغاشم.
وبعد، فلم يلبّ القرار كل الطموح، لكنه قرارٌ مهم وتاريخي، يُشكّل صفعة موجعة للكيان، ومنطلقاً مهماً لعمل دؤوب يتوجب القيام به بحرفية، قانونياً وإعلامياً وسياسياً.
وهذه معركتنا الآن.