أكدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، إلينور هَمرشولد، في كلمتها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، أن إسرائيل لا تملك الحق في ممارسة السيادة على الأراضي الفلسطينية، معتبرةً أن عرقلة عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تنتهك المواثيق الدولية. جاءت هذه التصريحات في سياق جلسات قانونية وسياسية مُكثفة تُناقش وضع الاحتلال الإسرائيلي، وتُسلط الضوء على التوتر بين القانون الدولي والواقع الجيوسياسي. فما هي الدلالات القانونية والسياسية لهذه التصريحات؟
ترتكز تصريحات هَمرشولد على مبادئ راسخة في القانون الدولي، أهمها "حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة" وفقاً للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مثل القرارين 242 (1967) و338 (1973)، اللذين يدعوان إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. كما تستند إلى اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تُجرم تغيير الطابع الديموغرافي للأراضي المحتلة، وتُلزم القوة المحتلة بحماية المدنيين. أما فيما يخص وكالة "الأونروا"، فإن عملها محمي بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (1949)، الذي أنشأ الوكالة لتقديم الدعم للاجئين الفلسطينيين. ومنع إسرائيل لعملها ينتهك اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة (1946)، التي تُكرس حصانة المنشآت والموظفين الأمميين.
في الواقع ان هذه التصريحات تمثل "تأكيداً على الموقف الدولي الرافض لضم الأراضي الفلسطينية"، والذي تجلى في قرارات عديدة مثل قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016)، الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي. كما تُعزز الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، خاصة مع تصاعد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطينية، حيث صوّتت 139 دولة لصالح منح فلسطين صفة "دولة مراقب" في الأمم المتحدة عام 2012.
من ناحية أخرى، تُشير التصريحات إلى "أزمة الشرعية" التي تواجه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل تصاعد النقد الأوروبي والأممي للاستيطان والعنف ضد المدنيين. كما أن انتقاد منع عمل "الأونروا" يلفت الانتباه إلى الأبعاد الإنسانية للأزمة، حيث تُقدم الوكالة خدمات أساسية لنحو 5.7 مليون لاجئ فلسطيني، ما يجعل عرقلة عملها تهديداً مباشراً للأمن الإنساني.
ولكن رغم وضوح الموقف القانوني، تبقى "فجوة واسعة بين القانون والتطبيق". فإسرائيل تُجادل بأن الأراضي "متنازع عليها" وليست محتلة، مستندةً إلى الرواية الصهيونية المزيفة، تواجهها الحقوق التاريخية الراسخة للشعب الفلسطيني في ارضه التاريخية وفي اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني والتي يعترف بها العالم اجمع، لكن في ذات الوقت يبقى دعم واشنطن المُعلن للسياسات الإسرائيلية، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (2017) عاملا رئيسا في اضعاف تأثير الضغوط الدولية على سلطات الاحتلال الاسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، فإن قرارات محكمة العدل الدولية – وإن كانت ذات وزن أخلاقي – تظل "استشارية وغير ملزمة"، ما يُحدّ من فاعليتها في ظل غياب آليات تنفيذ فعّالة. كما أن الجدل حول دور "الأونروا" نفسه لا يخلو من تعقيدات سياسية، إذ تتهم إسرائيل الوكالة بالتحيز في خطوة تسعى من خلفها لوقف عملها تمهيدا للتخص منها وانهاء اي ذكر لقضية اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، بينما تُحمّل الأمم المتحدة الاحتلال الاسرائيلي مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة.
اللافت في الامر هو ان تصريحات هَمرشولد تكشف عن "تناقض صارخ" بين الشرعية الدولية، المتمسكة بحظر الاستيلاء على الأراضي، والواقع القائم منذ عقود. فبينما تُكرس الأمم المتحدة مبدأ "حل الدولتين"، تتسع المستوطنات الإسرائيلية وتسابق سلطات الاحتلال الاسرائيلي الزمن لتغيير الواقع والحقائق على الاراضي الفلسطينية وفي مقدسات القدس، مما يدفع نحو واقع "دولة واحدة" قد يُنهي أي أمل بتطبيق القانون الدولي ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة بموجب القوانين والاعراف الدولية والانسانية.
جملة القول؛ تُذكّر هذه التصريحات بأن حل الصراع لن يكون عبر فرض الأمر الواقع، بل عبر التفاوض الذي يحترم حقوق الفلسطينيين، ويضمن أمن المنطقة برمتها، تحت مظلة القانون الدولي. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل يمكن تحويل هذه المبادئ إلى إرادة سياسية فاعلة؟ الإجابة، للأسف، ليست بين يدي القانون، بل في ميزان القوى العالمي الامر الذي يبقي باب الصراع وتزايد احمتالات تفجر الاوضاع في المنطقة في اية لحظة مفتوحا على مصراعيه.