درسنا أو دُرّسنا بضم الدال في المدارس والجامعات عن الحروب غير المتكافئة، وطالعنا كتباً ومراجع طرحت لنا أمثلة متنوعة بأزمنة مختلفة عن هذا النوع من الحروب، حيث خصمان متحاربان تختلف قوتهما نسبياُ فلا نجد تكافؤا في الموارد البشرية والمادية وكذلك هناك اختلافاً في حجم التعبئة الحربية والتكتيكات والخطط الاستراتيجية، ومع كل هذه الاختلافات فانه بالمقابل نعايش هذه الايام صمودا شعبيا يفوق التوقعات امام العدوان الممنهج والوحشي وهو ما ينبع من إرادة الشعب الفلسطيني التي بات يقينا انها ستحدث تغييرات في التوازنات الإقليمي? والدولية لاسيما مع انخفاض وتيرة الدعم الغربي الملحوظ لاسرائيل خلال الحرب، وهو ما اعترف به العدو، أنه يواجه ضغوطات خارجية لوقف اطلاق النار، وخاصة مع تغير وجهة نظر الرأي العام الغربي الذي بات يطالب بوقف فوري لحرب الإبادة على غزة.
إذن فالمقاومة الفلسطينية الغزية نجحت بشكل واضح وقوي بفرض معادلة الصمود منذ السابع من اكتوبر لغاية اليوم مؤكدة أمام العالم أنها لا تعرف اليأس ولا التهاون ولا الاستجداء او الاستعطاف لا تؤمن بالعويل ولا النحيب ولا البكاء في حل القضية المستندة في أساسها على مبدأ تحرير الأرض من العدو شعارها ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، بالرغم من حجم التحديات غير المسبوقة والتي يعاني منها قطاع غزة في جميع جوانب الحياة.
أمام هذه المقاربات لا بد أن نقر بأن ما اختلفت وتفردت به هذه الحرب عن غيرها في غزة يتلخص في فاعلية وجدوى وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التكنولوجية والتي أحدثت نقلة نوعية في سرعة استجابتها ونقلها للأحداث مباشرة من الميدان، مما أجبر وسائل الاعلام الرسمية العالمية أن تكون اكثر موضوعية إزاء ما حدث وتنحية قدرتها على التعمية مع تزايد نسبة التأييد للفلسطينين وكثرة الانتقادات الدولية لإسرائيل في انتهاكاتها اللاخلاقية لشعب غزة.
وفي هذا الاطار ومنذ دخول القوات الاسرائيلية الى شمال غزة ومع اشتداد الوضع سوءاً تولدت قناعات لدى غالبية الأفراد على مستوى العالم ومن خلال المحتويات المكتوبة والمقروءة والمصورة والتي أجمعت بأن سبب التعاطف مع القضية الفلسطينية خلال هذه الحرب ما هو إلا ردة فعل انسانيىة ضد النوايا الخبيثة للعدو والتي استباحت وانتهكت كل القوانين والمعايير الدولية، وهي بذات الوقت بعيدة عن الارتباط بأية ولاءات او انتماءات لكيانات سياسية، أو دينية، او عسكرية منظمة أو غير منظمة، فالأمر كله مرتبط وبكل بساطة بالتضامن مع شعب مناضل يدا?ع عن أرضه ووطنه رافضاً اللجوء او التهجير وتمارس عليه أبشع جرائم الإبادة التي يرفضها من يشعر بالإنسانية الحقة.
وان كانت ردات الفعل في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني والتضامن مع شعب غزة المناضل متباينة الا انه من باب الانصاف والحقيقة فان موقف الاردن الرسمي والشعبي الذي لم يتوان عن الخروج بمسيرات الدعم والمظاهرات المتتالية والتي دلت على عمق العلاقة التلاحمية بين الشعبين الاردني والفلسطيني بالرغم من التحديات الصعبة والتي يعاني منها الأردن على الصعيديين المحلي والدولي، إلا انه استخدم معظم وسائل الضغط لمنع حدوث اي تهجير قسري لسكان القطاع والضفة كما وأوقف معظم الاتفاقيات مع اسرائيل ومنها الطاقة والمياه..
ليست غزة أجمل المدن.... ليست شواطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية... وليس برتقالها اجمل برتقال على حوض المتوسط... وليست غزة اغنى المدن.. وليست أرقى المدن.... ولكنها تعادل تاريخ أمة» كما وصفها محمود درويش.