نجح الإعلام الاردني في استعادة ثقة الجمهور بفضل تغطية أحداث غزة، والحرص على أن يكون له السبق في نشر معطيات ومعلومات متكتاملة عن المشهد السياسي، كما ساهم انحياز الإعلام الأجنبي إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي في استعادة الإعلام الاردني بريقه وحضوره.
واستطاع استثمار الحرب الهمجية الدائرة على ابناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية لاستعادة قوته الناعمة، وليصبح ضمن المنابر التي تستحق المتابعة الجماهيرية لمعرفة المستجدات وفهم موقف عمان من الأحداث الجارية.
واستفاد الاعلام الوطني، وفي مقدمتها «قناة المملكة والتلفزيون الاردني وقناة رؤيا»، من تراجع مهنية وسائل الإعلام الأجنبية وانحيازها الواضح لاسرائيل دون اكتراث بمعايير المهنية والحياد والموضوعية والنزاهة، والتسويق لمساندة اسرائيل لكل افعالها الجرمية.
وفي السابق اعتاد المواطن في مثل هذه الأحداث متابعة القنوات الإخبارية العربية والأجنبية أمام صمت إعلامه المحلي وتحوله إلى تابع أو ناقل للمعلومات من منابر خارجية، وغالبا ما كان يحدث ذلك بمبادرات ذاتية من القائمين على إدارة المشهد الإعلامي أو عبر توجيهات من دوائر محسوبة على الحكومة لعدم توريط الدولة في أزمة سياسية هي في غني عنها، بحكم تبعية أغلب وسائل الإعلام لجهات رسمية.
وعانى الاعلام كثيرا من عدم الحضور في ملفات حيوية وساخنة وحجب المعلومة الرسمية وذلك ضمن دراسات توصلت إلى ان الغالبية من المواطنين يتابعون القنوات العربية والأجنبية في الأحداث المهمة بسبب عدم الثقة بمحتويات وسائل الإعلام المحلية وغياب العمق والتأثير والتحليل.
ومع اندلاع الحرب في غزة، ظهرت أهمية قناة «المملكة» «ورؤيا» والتلفزيون الاردني» كمحطات إقليمية تتفاعل بشكل لحظي مع الأزمة، وتبنت وجهة النظر الاردنية والفلسطينية، ورصدت عن قرب أبعاد العدوان الغاشم وتداعياته وأهدافه الخفية، من خلال الاستعانة بمتخصصين عسكريين ومحللين سياسيين؛ ونجح بأن يكون ذراعا للدولة في مثل هذه الظروف الدقيقة من دون أن يضطر الجمهور إلى متابعة قنوات خارجية.
ولم يكن الإعلام الوطني لينجح في استثمار الحرب على غزة والتقارب مع الجمهور دون دعم من دوائر الدولة، بحيث تكون القنوات المحلية لديها ميزة مضافة تُمكّنها من التفوّق على منافسيها، وظهر ذلك في نقل معلومات أمنية عبر شاشات اردنية.
ومن الخطأ الكبير الاتكال على قنوات ووكالات أنباء أجنبية لتوصيل رسائل الدولة للعالم وإظهار موقفها بشأن القضايا المطروحة على الطاولة، لكن قرار الاعتماد على أذرعها الإعلامية لتوصيل رسائلها ومواقفها مباشرة هو عين الصواب بما فيها توجيه تحذيرات لإسرائيل وقوى غربية داعمة لها، أو بالرد بشكل صارم على ادعاءات دولة الاحتلال ووسائل إعلامها.
وهذه المعطيات سهلت مهمة الاعلام الاردني ليحظى بمتابعة جماهيرية وعربية واسعة، بعد أن تعاملت مع الحرب على غزة بطريقة محترفة ونشر شبكة مراسلين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونقل التطورات على الهواء مباشرة. بحيث أصبحت مصدرا أساسيا لباقي المحطات العربية والأجنبية في نقل وجهة النظر الاردنية. وبدأت تجاري الأحداث بشكل سريع بحكم أن موقف الاردن بات متداخلا مع روافد الحرب الجارية، كفاعل قوي ومؤثر في انهاء الحرب والتوصل لهدنة بين اسرائيل وحماس، ودورها في توصيل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والضفة، فضلا عن حديث متزايد حول وجود مخطط لتهجير سكان غزة والضفة الغربية إلى سيناء المصرية والاردن، وما يستدعيه ذلك من مواقف حاسمة.
وأدرك المسؤولون عن إدارة المشهد الإعلامي أن المُشاهد المحلي لم يعد رهينا للرسالة الجامدة التي تصله، ويعجز عن الوصول إلى منابر بديلة تتناسب مع أفكاره وتوجهاته، ما اضطرهم إلى عدم الاستمرار على الوتيرة العقيمة السابقة، من تجاهل ما يحدث في الإقليم.
لكن العبرة في كيفية توظيف البيئة المحيطة والاستفادة من كل ميزة تتمتع بها وسائل الاعلام المحلية بالاقتراب من دوائر صناعة القرار ومحاولة إدخال نفسها كوسيط يحتكر توصيل الرسائل والمعلومات في توقيت حساس.