واضحٌ الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن الإعلام على درجة كبيرة من الأهمية.
لكن واضح أيضاً أنّه سلاح ذو حدين؛ فإما أن يُحقّق المرجو، وإما أن يأتي بنتيجة معاكسة.
نسوق المبدأ هذا للحديث عن ظاهرتين غير موفقتين في جزء من مشهدنا الإعلامي، وليس كلّه.
الأولى وتتعلق ببعض المُركِّزين على «النوايا» و«المخططات» الإسرائيلية.
من حيث المبدأ، الموضوع مُهمّ جداً. فإذا أردنا حماية أنفسنا من شرور الكيان، لا بد من إلقاء نظرة عميقة على نواياه ومخططاته.
لكن ليس هذا ما نقصد بالظاهرة الأولى هذه. ما نقصده أن عدداً ممن يتطرقون للأمر يقدمون لنا «نوايا» الكيان و"مخططاته» على علاّتها، وكما يسردها الكيان ذاته، دون تدقيق أو تحليل أو تمحيص؛ وكأنّ كل ما يحلم به ويفكر به هو حقيقة واقعة لا محالة.
هنالك فرق بين دراسة عقليّة الكيان وتطلعاته وخططه ومؤامراته بهدف التدقيق فيها وتمحيصها وتحليلها تحليلاً ناقداً؛ ثم تبيان شرورها وخطئها، ثم اقتراح الأفكار والحلول التي تُنوّرنا وتُحفزنا وتدلّنا على كيفية التعامل معها؛ وبين تقديمها إلينا على أنها نوايا وخطط لا يُشقّ لها غبار، ولا قدرة لنا على التعامل معها.
تقرأ مقالة لأحدهم أو تسمع تعليقاً، فتخال أنّ ما يُفكّر به الكيان في عقلة أو يعلنه يصبح حقيقة على الأرض.
ربّما من يمارس هذا النوع من الخطاب، بحسن نية مفرطة أو بالافتقار لقواعد علم الاتصال؛ لا يدرك أبعاده الخطيرة، فهو، دون أن يدري، يصير وكأنه يُروّج للرواية الإسرائيلية ويُمهّد لها.
أما الظاهرة الثانية فتتمثل في مقابلة مسؤولين في الكيان أو نشر ردود أفعالهم إزاء القضايا.
في البُعد الأول، يتحدث المذيع أو مقدّم البرنامج مع مسؤول في الكيان ليقف على رأيه. وبالطبع يجد الأخير المقابلة فرصة ذهبية لبثّ سمومه وأفكاره الشريرة بهدف استفزاز المشاهدين وإرهابهم ودبّ الرعب في قلوبهم وتفكيك ما يؤمنون به.
يحاول المُحاوِر دحض ما يقوله مسؤول الكيان ويدخل في سجال معه، ليتضح للمشاهد أن المسؤول أمكر و"أشطر» من المحاور المسكين.
ما الفائدة المرجوة من ذلك؟ هل الهدف تغيير موقفه أو إقناعه بوجهة نظرنا أو «إفحامِه»، مثلاً؟ أهو بهذه السذاجة؟
أما البُعد الآخر فيتمثل في سرعة نقل رأي الكيان حول نقدٍ أو شجبٍ وُجِّه له. يقول مسؤول دولي، مثلاً، «إن إسرائيل ارتكبت خطأ في قصف المدنيين في غزة، وهذا عمل مناف لقواعد الحرب». ومثل هذا التصريح يخدم القضية ولا بد من استثماره وإبرازه والتركيز عليه في معركتنا الإعلامية مع الكيان. فيأتي أحدهم بدلاً فعل ذلك بخبر يقول «إسرائيل غاضبة من تصريحات فلان حول قصف المدنيين وتؤكد على حقها في الدفاع عن نفسها».
ما الفائدة المرجوة هنا؟ هل هدفنا الترويج لموقف الكيان؟؟ إنه الضّرر بعينه.
طبعاً قد يكون السبب هنا أنّ الخبر مأخوذ ومترجم حرفياً من وكالة أنباء منحازة لإسرائيل. أي ببساطة لم يقم «مُحرر» الخبر بعمل أي تحرير، وهذا يُدلل على عدم الدراية بأساسيات العمل الإعلامي.
ظاهرتان غير موفقتين يجب أن تتوقفا؛ فالذين يُروّجون لوجهة نظر الكيان في العالم كثر، ولا يجوز أن نزيد الطين بلّة.