لخطاب العرش السامي مكانته المتجذرة في الوجدان الوطني والمنظومة السياسية في الأردن بوصفه من أعرق تقاليد الدولة الأردنية، ففيه ترتسم الأولويات، وتتحدد التوجهات وتعلن النوايا على أساس التشخيص الذي يمازج بين خلاصات المتابعة المنهجية للقضايا والملفات، والنقاشات والحوارات التي تنضج الأفكار في ظل استراتيجية التواصل الملكية مع شعبه وأصحاب الخبرة والدراية،من مختلف الشرائح والقطاعات.
كل هذه الاعتبارات في وجدان الأردنيين وهم يستمعون إلى خطاب العرش، ويتابعون مضامينه السامية فالخطاب الملكي الأخير لم يكن مقتصراً على الأردن والأردنيين وحدهم، بل أتى شاملا ببعد عربي وأفق عالمي لتزامنه مع لحظة حرجة من تاريخ المنطقة.
ولطالما تحدث جلالته بصراحة محذراً ومستنهضاً الضمير العالمي ليتحرك بصورة إيجابية تجاه عدالة القضية الفلسطينية بوصفها المدخل الشرعي والأخلاقي والمنطقي للوصول إلى السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تحتل مكانةً جوهريةً على المستويين الاقليمي والعالمي.
وكان الخطاب الملكي، أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة واضحا وشجاعاً واستشرافياً لمجريات الأحداث التي نعايشها اليوم، ولذلك يهتم العالم بالاستماع إلى رؤية الملك بعد أن أدى التجاهل لحقوق الشعب الفلسطيني والتعامي عن معاناته إلى واحدة من أكثر اللحظات تعقيداً واضطراباً في تاريخ المنطقة والعالم.
وتأتي سياقات الواقع لتؤكد الرؤية الملكية بأن دوامات العنف التي نعايشها وتكتوي بنارها شعوب المنطقة،لا يمكن أن تنتهي من غير حصول الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لحل الدولتين،وهو الخيار الذي لم تمتلك الحكومة الإسرائيلية الشجاعة للتعامل معه بجدية، وأقنعت حلفاءها أنه أصبح حلاً ينتمي إلى الماضي.
لم يغب الضمير الفلسطيني والعربي عن الرؤية الملكية من خلال معايشته المتواصلة على امتداد عقود من الزمن للقضية الفلسطينية وأبعادها منذ أن تشرب ثقافة الجيش العربي وحتى قيادته للبلد العربي التوأم لفلسطين والملتزم وجودياً وقومياً ووطنياً بقضيتها العادلة.
فالخطاب الملكي واضح «بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس» والأردن بهذه الوقفة يعرف أنه يواجه تحديات جسيمة،وسيواجهها مهما بلغت كما قال جلالة الملك، غير متخلٍ عن دوره وأمانته في الوصاية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس الشريف.
الأردن قيادة وشعبا ومن منطلق التزامه القومي وايمانه بأن الحلول المستدامة لا يمكن الا أن تقوم على أرضية من العدل تعترف بالحقوق والواجبات وتصونها للجميع سيبقى في خندق العروبة ويبذل كل ما في وسعه في سبيل الوقوف الى جانب القضايا العربية ومع اشقائه العرب.