للنجاح أسبابه وطُرقُه التي تؤدّي إلى تحقيقه، وللفشل أسبابه أيضاً، وأسباب كلّ منها كثيرة، وقد يدركها الناس في أعماق نفوسهم، ولكن يغضون الطرف عنها في كثير من الأحيان ويفسحون بذلك المجال لتفسيرات وأوهام بعيدة عن المنطق والعقلانية، كأن يرجعوا إخفاقهم في أيّ شيء إلى الحسد الذي يتعرّضون له من أقرانهم ومن الفاشلين الآخرين، إلى غير ذلك من صور تعليق الإخفاق على شمّاعات الآخرين.
غير أنّ النجاح يمكن أن تزداد فرصته من خلال سلوك الطرق التي تؤدي إليه، وهي كثيرة، لكنّ من أهمّها التخطيط، وهو الخطوة الأولى والأهمّ التي تمهّد للسير في طريق النجاح وتضيء تلك الطريق وتجعل المرء يسير على هدىً ورؤية واضحة، أمّا إذا انطلق المرء نحو هدفه دون أيّ تخطيط وخاض فيه خبط عشواء فلا تؤمن سلامته ولا يضمن نجاحه وقد يحصد خلاف ما يسعى إليه.
وهذا النجاح الذي يشهده كثيرٌ من البلدان والمجتمعات بحيث تتقدّم علينا وتتفوّق كثيراً، فإنّ مردّه التخطيط لكلّ صغيرة وكبيرة يسعون إلى تحقيقها، وما الإخفاق والتراجع اللذان تشهدهما كثير من الدول ومنها بعض دولنا الشقيقة إلاّ نتيجة للتقاعس عن التخطيط والإعداد المسبق الجيّد لكلّ ما يمكن الإقدام عليه.
وقد يظن كثير من الناس أو كثير من القيادات والمسؤولين في مختلف المجالات أنّ التخطيط أمرٌ عسير، وهم بذلك مخطئون، لأن التخطيط يتطلب قيادة حكيمة ماهرة ذات كفاية واقتدار ولها رؤية وأمامها هدفٌ واضح، والأصل في كلّ قيادة أن تكون كذلك. ويبدأ التخطيط السليم من استحضار ثلاثة عناصر أساسية: التجارب السابقة لتحقيق الهدف نفسه أو هدف مماثل، والواقع الحالي الذي يُراد تطويره أو تحقيق هدف يتّصل به، والمستقبل المتوقّع بإيجابياته وسلبياته ومحاذيره، وعليه فإنّ التخطيط لتحقيق الهدف يجب أن يشمل تلافي الأخطاء التي وقعت في التجارب السابقة وتطوير الجوانب التي أثبتت نجاحها في تلك التجارب، يلي ذلك تقييم الواقع تقييماً تفصيليّاً وتفعيل العناصر الإيجابية فيه والتي يمكن توظيفها في تحقيق الهدف المنشود، وتحييد العناصر السلبيّة التي يمكن أن تعيق تحقيق ذلك الهدف، ثم يلي ذلك ربط الخطّة والهدف بتوقّعات المستقبل ووضع الحلول لتلافي الأخطاء المتوقّعة أو الاستفادة من الفرص التي يتوقّع أن تتاح في المستقبل والأخذ بعين الاعتبار جميع المتغيّرات المتوقعة.
ولمــّا كانت الخطط مهما بلغت دقّتها قابلة للتقصير في تحقيق الهدف كان لا بدّ لكلّ خطّة أن يرفق بها خطّة بديلة يجري اللجوء إليها إذا لم تنجح الأولى بسبب وجود خلل خفيّ بها أو ثغرة لم يلتفِتْ إليها واضعوها.
ولا يعني عدم نجاح خطّة ما أن يتمّ إلغاء الهدف، بل على العكس من ذلك يجب الاستفادة من أسباب فشل الخطّة الأولى وتلافي هذه الأسباب في الخطط القادمة.
وحتى يكون للتخطيط معناه وجدواه فلا بدّ أن يكون فيه جدّة في طرق التنفيذ وآلياته، فإذا كانت الخطّة تعتمد على آليات تنفيذ قديمة وكانت تستهدف عدوّاً على سبيل المثال فمن المتوقع أن يكون ذلك العدوّ قد هيّأ نفسه ووسائل دفاعه لمواجهة تلك الآليات، وهذا ممّا قد يؤدي إلى فشل الخطّة، ولذلك لا بدّ للخطّة ووسائل تنفيذها أن تكون جديدة ونوعية ومتطوّرة ومدروسة بكل عناية، فذلك أكثر ضماناً لنجاحها وتحقيق أهدافها.