احد أُسس الحكم هو التواصل بين الحاكم والمحكوم، وهذا ما ركّز عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في لقائه مع كبار المسؤولين يوم 13/6 من هذا الشهر بحضور دولة رئيس الوزراء، لتنفيذ خطة تطوير وتحديث الادارة العامة، إذ شدّد الملك على أهمية التشاركية والتعاون والتنسيق بين المؤسسات كافة لدعم عملية التحديث والتغيير في القطاع العام، وأن هناك ضرورة لاعداد خطة تواصل شاملة وفاعلة تستهدف المواطنين عموماً والموظفين في القطاع العام وطلبة الجامعات بهدف تسهيل اية قرارات ستتخذ خلال تنفيذ خطة التحديث الشاملة، ماذا يعني هذا؟ يرى ت?ارلز تيلي ان الدراسات تحولت نحو البناء الفوقي في التحول نحو العدالة والديمقراطية والبناء المجتمعي، فإن صناعة الديمقراطية كفعل واعٍ هو للمجموعة الحاكمة، وهذا يعني توفر الارادة السياسية لدى الحكام، وهو ما يؤشر له جلالة الملك في قضايا التحول والبناء المجتمعي وتركيزه على السير الجاد في تحديث المنظومات الثلاث السياسية، والاقتصادية، والادارة العامة، وفي كل لقاءاته يوجه جاداً العمل الدؤوب بمتابعة شخصية من لدن ولي العهد، وفي البُعد التنفيذي نرى دولة الرئيس بشر الخصاونة، الرجل الوطني النظيف يعمل جاهداً للسير في الا?راءات العملية لتنفيذ رؤى جلالة الملك.
لكن التغيير لا يأتي بقرار او بقانون وإنما يحتاج وقتاً لأنه ذو أبعاد اجتماعية معقدة ومركبة، لكنه يضع اللجان التنفيذية تحت المراقبة والمتابعة المستمرة، وبكل الأحوال هذه جهود جماعية وليست فردية، يجب ان ينخرط بها الجميع كلٌ في تخصصه ومساره، صحيح وضعت خطة متكاملة لتطوير القطاع العام، لكن ذلك يحتاج لوضع أبعاد تنفيذية دقيقة تقوم على اخلاق الوظيفة العامة لأنها امانة، وهذا يتطلب احياء الضمير واعادة بناء المنظومة الاخلاقية لدى الموظف العام لخدمة المواطنين اينما وجدوا، وهذا يتطلب الاعداد لمؤتمر وطني عام يجمع الخبراء ?ذوي التخصص واصحاب الخبرة العملية وبحضرة موظفي الصف الثاني والثالث قبل الاول، ويحدد له برامج ذات أبعاد تنفيذية عملية قبل النظرية، أنا اعرف ان الموظف العام يحمل خلقاً رفيعاً عالياً لكن الخوف من اتخاذ القرارات يسيطر على الاداء وهذا يضعف الإنجاز، ناهيك عن عدم توفر الحوافز المباشرة، واستمرار وجود الواسطة والمحسوبية والشللية الذي يعطي الحقوق لغير اصحابها، وبالعودة الى العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي يدعو لها جلالة الملك هي دليل ناصع على اهمية الشفافية والوضوح في التعامل مع المواطنين وفتح جسور الاستماع لحاجات ال?اس ومتطلباتهم انطلاقاً من مشروعية الحق والواجب، ومشروعية خدمة المواطن ما دام طلبه قانونياً ومشروعاً، وتحدث جلالة الملك عن التواصل مع المواطنين واهميته في بناء حالة الرضا النفسي من التواصل وزيادة شرعية القبول العام في النظم السياسية، وحتى طلبة الجامعات الذين تجاوز عددهم 350 الف طالب وهم اداة التغيير المجتمعي، وكذلك هم القادمون الجدد الذين يعوّل عليهم في احداث التغيير الايجابي وهم جسم من الشريحة الشبابية الذي تزيد نسبتهم عن 53% من المجتمع كافة.
إن مبدأ التواصل بين المسؤول والمواطن هو أمر ايجابي جداً، ولدينا مؤسسات ناجحة جداً في هذا الأمر اولها الديوان الملكي والخدمات التي يقدمها، وثانيها الاحوال المدنية، وثالثها ادارة السير والترخيص كلها لديها اداء مرموق وانجاز عالي المستوى، وهي نماذج يحتذى بها وهناك مؤسسات اخرى.
ما نراه اليوم ضعفا كبيرا بين المواطن والمسؤول والهاتف دوماً يرد لا يمكن الاتصال به، وكثير من المسؤولين لا يعرفون البلاد والعباد ولا يرغبون في التواصل وهذا عكس رغبة جلالة الملك الذي يدعو بشدة لاهمية التواصل ومعرفة احتياجات ومتطلبات المواطنين مهما كانت، صحيح أن الامكانات ضعيفة لكن الوضوح والشفافية امران مطلوبان جداً لرقي الاداء وتحسنه، ومن دون ما يدعو له الملك في التواصل المباشر لا يمكن ان تستقيم الأمور في البلاد، ولا يمكن احداث التغيير المنشود.