بساحل قصير على البحار المفتوحة، ومن غير أنهار كبرى، وبالقليل من الثروات الطبيعية، ارتسمت التحديات الكبرى أمام الأردنيين منذ اللحظة الأولى، والحق، أن الأردن كان سؤالاً معقداً من البداية، فبينما كانت الحقبة الاستعمارية تترك فخاخها من خلال الدول القائمة على مرجعيات دينية أو طائفية، أو عالقة في صراعاتها، فإن الأردن كان منفتحاً على الجميع ومتمايزاً عنهم في الوقت نفسه، فالأردن هو نقطة التوازن المرهفة بين القبول والخصوصية، والتسامح والمنعة، وفي ظل الأسرة الهاشمية التي حملت معها حلم الثورة العربية الكبرى أتى تكثيف هوية ذلك المجتمع وبدأت قصته الملهمة.
تشاغلت المنطقة بالعديد من الصراعات منذ الأربعينيات وبداية طموحات الاستقلال، فالدول العربية أخذت تفكر في الماضي وتبحث داخله عن شخصيتها وهويتها، ووضعت المظلومية جزءاً من فكرها وتوجهاتها، أما الأردن فبقي يتطلع إلى الأمام وإلى الأفق المفتوح أمامه، فاستمد عقيدة التسامح منذ قرون من النبي العربي الهاشمي الذي رسخ أساس العفو بين العرب.
مئوية أولى من عمر الدولة خرج منها الأردن بالكثير من المنجزات، وفي مقدمتها الإنسان الأردني الذي لا يحمل أوزاراً مكنته دولة مستقرة ومحترمة من تجنبها فوقفت بكل حزم وتسامح، وهو توازن أردني مرهف آخر، أمام الشعوبيات والعصبيات، كما وبقي الإنسان الأردني يعيش كامل كرامته بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو المادي، فلا يمكن أن يتغول أحد على آخر لأن الأردنيين جميعهم يصبحون أهلاً للضعيف وجواراً له، والملايين من الشباب الأردني المتعلم يمثلون الفرصة المستقبلية التي ستثبت نفسها وتفرض معادلتها وسيحملون رسالة هذه الدولة وفكرها.
يخرج الأردن من الأزمات أقوى على الدوام، وبعد سنوات من الترفع عن الانجرار في حسابات الصراعات، يصبح الأردن الذي تحمل من التجنيات الكثير في تاريخه، مدخلاً لفرصة جديدة للوئام بين العرب، ويتحمل في مؤتمر القمة العربية مسؤولية الوقوف على خط المواجهة الذي يعرفه ويخبره في القضية الفلسطينية، وهي القضية التي يعتبرها جزءاً من مسيرته فكان شريك التضحيات الذي تعمدت بدماء الشهداء على أرض فلسطين.
استلهم الأردن من التاريخ العربي أجمله وأصدقه فهو من أكثر الأمناء على جوهره الحقيقي والحضاري، ويتطلع لمستقبل أفضل للمنطقة ككل، ويفتح ذراعيه للتعاون من أجل حياة مستقرة وكريمة للأجيال القادمة، ولا يتأتى ذلك إلا لبلد يعيش الاستقلال ويستحضره ويفهمه.