قد يكون مناسبا البدء بالموقف الأميركي «الرسمي», كون الجيش الأميركي يحتل أجزاء واسعة في الشمال السوري وبخاصة حقول النفط, إضافة لحليفته (إقرأ عميلته) قوات «قسد» الكردية وما يُعرف «الإدارة الذاتية", حيث أصدر مُتحدث الخارجية الاميركية بياناً حَفَل بمفردات ومصطلحات, نحسب أنها ليست لائقة بل عُدوانية وفظّة, وبخاصة قوله: «إن دمشق «لا» تستحق هذه الخطوة»، في الوقت الذي يعلم المتحدث الأميركي هذا, أن الذي اصدر القرار هم مُمثلون للدول الأعضاء في الجامعة العربية, وان الجامعة بما هي منظمة إقليمية نشأت قبل معظم أن لم نقل ?ل المنظمات الإقليمية الرامية خدمة أعضائها في فضائهم الجغرافي المُحدد، يمتلك - أعضاء الجامعة - «وحدهم» الحق في إصدار أي قرار يخدم أهداف الجامعة ومصالح شعوبها, ويحقق ما تواضعوا عليه في ميثاقها المكتوب في 22 آذار 1945.
وإذا كان متحدث الخارجية الأميركية قد «ناقضّ نفسه» عندما زعم (بعد قوله إن دمشق «لا» تستحق هذا الخطوة), أن واشنطن تتفق مع حلفائها على «الأهداف النهائية» لهذا القرار، فإن اصرار إدارة بايدن على إقاء قواتها في سوريا ومواصلة نهب النفط والقمح والثروات السورية, ناهيك عن دعمها مشروع «الإدارة الذاتية» الإنفصالي وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بذريعة مُحاربة تنظيم داعش الإرهابي, وآخرها الأكذوبة التي روّجت لها في شباط الماضي, عن تصفية زعيم داعش/أبو إبراهيم الهاشمي القرشي, بل ودخلت إسرائيل على الخط عندما ?عمت هي الأخرى, أنه كان لها «دور» في إنجاح العملية الأميركية بشمال غرب سوريا, كون (القرشي) كان مُشرفاً على الملف الإسرائيلي(..), ليتبين لاحقاً وفق أهالي المنطقة أن «القتيل» هو «راعي غنم», لا علاقة له بداعش. دون اهمال حقيقة أن الاحتلال الأميركي لمناطق في الشمال الشرقي السوري, إنما يُراد من ورائه «أيضاً» التحرّش بروسيا, عبر محاولات لم يكتب لها النجاح لدفع موسكو سحب قواتها, التي جاءت بطلب من الحكومة الشرعية, ما بالك بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية؟.
ولئن ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في عددها أمس 8/5 إلى اعتبار «أن عودة سوريا إلى الجامعة, يُمكن أن تُفهم على أنها جزء من النمط السائدة حالياً في المنطقة، حيث يبدو تأثير الولايات المتحدة أضعف», فضلاً عن اعتبارها أن عودة دمشق «تعني أيضاً أن الجميع إعترف بإنتصارها في الحرب الدامية المستمرة منذ 12 عاماً»، فإن اللافت هو رد فعل ما يُسمى المُعارضات السورية بهياكلها وتسمياتها المُختلفة, التي لم يعد أحد يحفل بها أو يستشيرها أو الوقوف على رأيها، إذ لم يتردّد بعض هؤلاء في مؤتمراتهم الصحفية وتصريحاتهم بعد صدور?قرار الجامعة رقم 8914, من انتقاد الدول التي وافقت على استعادة دمشق مقعدها, حدّاً وصل برئيس هيئة التفاوض عن المعارضة السورية/بدر جاموس, من اعتبار ذلك «تجاوزاً من الجامعة» لجرائم النظام وضربة للشعب السوري الثائر وتجاهُلاً لمطالبه بالتغيير (كذا).. فضلاً عن «احتجاجه» بأنَّ الجامعة لم تستشِر المعارضة بشأن هذا القرار, الذي وصفه أيضاً بأنه «تجاهل لإرادة السوريين، وقتلاً للعملية السياسية, وتجاهلاً كاملاً لصوت الشعب السوري, لحساب (المصالح) بين هذه الدول».
أمَّا أكثر ردود الفعل رثاثة وتهجّماً واضحاً على الدول العربية, فهو التصريح الذي ادلى به لإحدى الصحف اللندنية, كبرئيل كورية مسؤول ما يُسمى «المنظمة الاثورية الديمقراطية» المنضوية, ما يُدعى «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية» بقوله: إن القرار لم يكن مُفاجئاً, ومن غير المُستبعد - أضاف - أن يكون قد جاء نتيجة لضوء أخضر من قِبل الولايات المتحدة بـ(السماح) للدول العربية, و«التجرؤ» على التطبيع, رغم الإعلانات الشكلية التي تصدر عن الإدارة الأميركية, بأنها «لا تدعم ولا تُشجِّع على التطبيع مع النظام».
[email protected]
أمَّا «الائتلاف» المُعارض (المُسمَّى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة)، ورغم أنه أعلن رفضه واستياءه من قرار الجامعة, فقد رأى أنه «يعني التخلي عن الشعب السوري وعن دعم مطالبه وتضحياته، كما يُشكّل انحيازاً واضحاً لصالح المُجرمين». على حد وصفه.
ماذا عن موقف موسكو, طهران وأنقرة؟.
رحَّبت وزارة الخارجية الروسية بالقرار مُعتبِرة أن خطوة عودة سوريا إلى الجامعة ســَ«تُسهِم في تحسين الأجواء في الشرق الأوسط»، مُضيفة في إشارة لافتة إلى أنها «تتوقّع» أن تدعمَ سوريا في عملية «إعادة الإعمار». كذلك رحَّبت طهران التي قال ناطق خارجيتها: حل الخلافات بين الدول الإسلامية والتقارب والتآزر بينها له نتائج إيجابية في الاستقرار. فيما كان موقف أنقرة أكثر غطرسة وتحريضاً عبرت عنه تصريحات «سبقت» قرار الجامعة العربية رقم 8914 جاءت على لسان وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو حاول النطق باسم الدول العربية عندما ?عم «أن معظم الدول العربية لا تُريد تقديم شيك على بياض, لعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية وكأن شيئاً لم يكن».
فـَ»تأمَّلوا»؟.