د. أحمد يعقوب المجدوبة
عندما يدخل الأفراد في اتفاقيات مكتوبة، على شكل عقود أو غيرها، بدءاً من عقود الزواج والشراء والبناء، وانتهاءً بالعقود مع البنوك والشركات وبينها، فإنّ هذه العقود مُلزمة.
لا بل إنّ توقيع تعهّد أو نموذج بسيط في مؤسسة، عامة كانت أم خاصة، يُلزم المُوقّع على التعهد أو النموذج.
وفي حال قيام أحد الطرفين المُتفقين، أو المُتعاقدين، بالإخلال بالاتفاق أو العقد، فإن المحاكم المختصة تبتّ في الأمر بهدف إحقاق الحق وإلزام الطرف المُخلّ بالإيفاء بالالتزامات.
وهذا أمر منطقي، لا بل ضروري، وإلا تُصبح العقود لا قيمة لها.
وهذا الأمر يحدث، فنحن لا نعيش في عالم مثالي يلتزم فيه الأفراد والجماعات بما يتفقون عليه.
والسؤال المهم هنا: ماذا عن الاتفاقيات المُوقعة بين الدول؟ هل هنالك جهة أو جهات يمكن اللجوء إليها في حال إخلال بعض الدول بالاتفاقيات التي وقعت عليها، بعد مفاوضات صعبة وبعد أن قبلت بما وقعت عليه، لا بل وصوّرته إعلامياً على أنه نصر مُؤزر وخيرٌ عميم؟.
إذا كانت هنالك جهة ما أو أكثر فاعلة كالمحاكم، لها هيبتها وسلطتها وقرارات قطعية قابلة للتنفيذ، فليدلّنا عليها الخبراء!
أما إذا لم تكن هنالك أطر مشابهة تحكم الاتفاقيات بين الدول، فإن هنالك، لعمري، خللاً كبيراً، وثغرةً لا تُغتفر.
نسوق هذه المقدمة للحديث عن احترام، أو عدم احترام بالأحرى، إسرائيل لاتفاقيات "السلام" الموقعة معها.
لقد وقع العديد من الدول العربية عدة اتفاقيات مع إسرائيل بعد سلسلة من الحروب الدامية والمفاوضات الماراثونية.
وقد عُدّت تلك الاتفاقيات، من باب أن السياسة هي فن المُمكن، مقبولة للدول الموقِّعة، وإن لم تكن الشعوب راضية تماماً عنها.
وعبر السنوات تنصلت إسرائيل، وتتنصل، وخالفت، وتُخالف، وأخلّت، وتُخلّ، بعدة اتفاقيات، وبعدة بنود مهمة ومصيرية فيها، مُعرّضة الأطراف المُوقعة معها لحرج ما بعده حرج، ومُعرضة السلام للتقويض، ومُدخلة المنطقة في توترات وأزمات وأحداث دموية يفترض أن يُجنبنا الالتزام بالاتفاقيات، واحترامها، حدوثها.
ماذا تفعل الدول، على نحو فاعل وحاسم، في حال تنصّل بعضها مما يُوقّع عليه؟
الطلب الشفوي أو الكتابي من الدولة المُخلة الإيفاء بالتزاماتها أمر حضاري وعقلاني وجميل وضروري دبلوماسي، لكن ماذا لو استمرّت تلك الدولة في التعنت والرفض!.
اللجوء لأصدقاء أو وسطاء أو دول مؤثرة للتدخل أمر منطقي ومعقول، ويحدث كثيراً على مستوى الأفراد والدّول وقد يفضي إلى نتائج إيجابية أحياناً، لكنه لن يكون مُجدياً إذا "ركب" الطرف المُخل "رأسه" وتنكّر.
إلغاء الاتفاق أمر وارد، لكن هل يضمن عودة الحق لأهله؟
الشّجب والتّنديد مهمان إعلامياً وسياسياً ومؤثران في الرأي العام، لكنّ جدواهما مرتبطة بما يحققان من نتائج ملموسة.
واقعياً وعملياً، لا بد من وجود جهة دولية قانونية ملزمة تلجأ إليها الأطراف للحصول على حقوق أقرّت بها وحفظتها الاتفاقيات.
وإذا لم تكن هنالك تلك الجهة، أو لم تكن هذه الفكرة عملية وقابلة للتنفيذ، فهنالك خلل جوهري ومصيري في حياة الدول لا يصبّ إلا في صالح الدول الأقوى والأشرس والأكثر غطرسة وتنمّراً.
وهنا صدع كبير في حياة الإنسانية وجب رأبه.