في الشارع الذي أمارس فيه رياضة المشي في منطقة سكني، أشاهد الكثير من العمارات التي أنشئت حديثا معروضة للبيع، وكتبت الشركة المالكة على واجهتها أو على لوحة أمامها، كلمات جميلة لتسويق الشقق مثل:
شقق «فاخرة، فخمة، مميزة، ديلوكس، سوبرديلوكس» وغيرها من الأوصاف التي تغري بالشراء.
وأظن أن هذه النماذج من العمارات منتشرة في مختلف انحاء العاصمة، وبدرجة أقل في المحافظات الأخرى، وذلك مؤشر على انتعاش حركة العمران، وأن هناك فائضا في عدد الشقق المعروضة للبيع.. وحسب أرقام دائرة الاحصاءات العامة، فقد بلغـت مساحة الأبنية المرخصة خلال عام 2022 9.058 مليون متر مربع، مقارنة بنحو 8.747 مليون متر مربع خلال عام 2021 بارتفاع بنسبة 3.56 بالمئة، بضمنها نحو 7.567 مليون متر مربع للأغراض السكنية بنسبة 83.5 بالمئة.
لكن لا أدري مسؤولية أي جهة فحص جودة إنشاء هذه الشقق، وهل عملية البناء خالية من الغش أم لا؟ ثم كم نسبة ربح الشركات التي تبني وتبيع هذه الشقق، وكم يتكبد المواطن من فوائد بنكية عندما يضطر لشراء شقة العمر؟.
العاصمة عمان استقطبت أعدادا كبيرة جاءوا من المحافظات والأطراف، بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل، إلى درجة تم اختراع مهنة جديدة تتمثل بوقوف شباب صغار يلوحون بالصواني المعدنية، أمام أكشاك بيع القهوة والشاي والمشروبات الساخنة والباردة، وهي ظاهرة أصبحت تتسبب بازحمات مرورية، حيث يقف أصحاب السيارات الذين يطلبون كاسات قهوة أو نسكافيه أو شاي ويعطلون جزءا من الشارع!!
وعليه تحولت المدينة إلى خلية نحل لشدة الازدحام فيها، الذي يطال مختلف جوانب الحياة، ويغرقها بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمرورية، ونتيجة لذلك توسعت المدينة أفقيا على حساب الأراضي الزراعية وأصبحت مساحتها حوالي 1680 كيلومتر مربع، وأصبح عدد سكانها يزيد عن «4,5 » مليون نسمة، من أصل نحو عشرة ملايين نسمة عدد سكان الأردن. وعلى سبيل المقارنة فعمان أكبر من العاصمة الألمانية برلين، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3.6 مليون نسمة، من مجموع عدد سكان ألمانيا البالغ 84.3 مليون نسمة، فيما تبلغ مساحة برلين حوالي 891.12 كيلو?متر مربع.
أما في المدن الصغيرة والقرى والأطراف، فلا يقل الأمر سوءا حيث يتم الزحف العمراني على الاراضي الزراعية، بسبب عدم توفر مشاريع إسكانية للمواطنين الذين يتزايد عددهم، فيضطر الأبناء والأحفاد إلى بناء مساكن لهم داخل أراضيهم الزراعية، ويبدو ذلك واضحا في منطقة الأغوار التي أزورها باستمرار، ويترتب على ذلك تكاليف إضافية لتوصيل المياه والكهرباء، بل إن نسبة كبيرة من سكان القرى والمدن خارج عمان يعانون من نقص المياه، وعدم انتظام وصولها إلى مساكنهم وانقطاعها أحيانا لفترات طويلة!
لعل أكبر الأضرار الناتجة عن هذا التوسع العمراني الفوضوي صعوبة توصيل الخدمات الأساسية إلى التجمعات السكنية، والاعتماد أكثر على استخدام السيارات الخاصة، لعدم توفر وسائل نقل عامة متقدمة، وعدم توفر شبكة طرق جيدة أو تهالكها، ويلاحظ حتى وسط العاصمة عمان الجزء الأكبر من الطرق الرئيسية محفرة أو مليئة بالمطبات والرقع!.
[email protected]
