حمل حديث جلالة الملكة رانيا العبدالله خلال الغداء الدولي الذي تلا إفطار الدعاء الوطني لعام 2023 في العاصمة الأميركية واشنطن،رؤى عميقة وفكراً مستنيراً وطروحات بناءة تشكل نهجاً عملياً لتجاوز حالة التضاد والاستقطاب التي نعايشها في وقتنا الحاضر.
حديث مانع جامع شامل حوى بين ثناياه افكاراً خلاقة وحلول فكرية عملية، من شأنها تجنيب دول العالم وشعوبها الارتدادات السلبية الخطيرة لحالة الاقصاء والتطرف بالرؤى والافكار، في وقت نحن أحوج ما نكون لطريق او سبيل لتجاوز هذه الحالة التي استشرت واضحت واقعاً مؤلماً.
فكر جلالتها المنفتح والمستنير سلط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه التشارك والتكامل بين دول العالم وشعوبها والمرتبطة بالانغلاق والتزمت بالرأي وعدم تقبل الاخر ما شكل عقبة كبيرة في طريق التعايش الصحي والسليم وتقبل الآخر بين مختلف الفئات والأطراف، داعية هنا الى الالتزام بالدين كسبيل لتحقيق التوازن والوسطية.
وفي هذا وضعت جلالة الملكة رانيا يدها على الجرح وما نعايشه من مظاهر غير حميدة حتى أضحت واقعا صعبا مرتبطة بأن الاستقطاب أضحى معلماً رئيسياً من معالم حاضرنا الذي نعيشه.
وبفكر خلاق ومستنير حمل حديث جلالتها حلول لتجاوز هذه العقبات إذ أطلقت اسم الطريق الثالث على نهج الاعتدال والوسطية التي دعت لتبنيه، بقولها «إن الصلاة–وهي الممارسة الجوهرية للإيمان – تستطيع أن تُرشدنا نحو مسار أفضل، مسار سأدعوه الطريق الثالث، هذا الطريق الثالث ليس متوسط نقيضين، بل يسمو على القطبية، ويرفعنا إلى أرضية أعلى أقرب ما أن تكون أرضية مشتركة أيضاً».
وهنا دعت جلالة الملكة رانيا العبدالله إلى تبني ما تجسده الصلاة من قيم في حياتنا وعالمنا، وأكدت أن الدين «ليس مأوى للاختباء، بل هو مُنطلقنا للحياة»، ومن يرشدنا في الحياة وهو السبيل لتحقيق التوازن والاحتفاء بالوسطية».
جلالتها أشرت على مكامن الخلل والخطر المتمثلة بالتطرف بالرأي وتملكه من قبل أطراف دون غيرها بحجة أنها فقط من تمتلك الحق والحقيقة وتقصي الاطراف الاخرى ما يمثل عقبة في وجه الطريق الثالث داعية هنا الى » علينا أن ندرك ألّا أحد منا على حق أو على باطل بالمطلق، شرير أو ضحية، مستنير أو قابع في الظلمة، فكلٌ منا خليط خاص من هذه الحالات... لا بل وأكثر بكثير من ذلك».
ووفق رؤية جلالتها لا مكان للاحكام المطلقة ولا لمنطق الربح والخسارة وللخطأ والصواب بقولها «أن يربح أحدنا لا يعني بالضرورة خسارة شخص آخر، وكونك على صواب لا يعني أن الطرف الآخر مخطئ – فما أحوجنا لتعدد وجهات النظر، حتى نرى صورة متعددة الأبعاد».
وفي هذا نبهت جلالتها إلى ضرورة التفكر وعدم الانحياز والتمعن بالاشياء والافكار بعيدا عن الصور والنمطية وان نميز بين الحقيقة والرأي ونبتعد عن السياسات وقت الغضب،كسبيل وحيد لايجاد ارضية مشتركة وتجنب سوء الفهم المفضي الى خسارة الجميع».
حديث شامل تطرق الى تبعات الاستقطاب التي تجبر الغالبية الى الانحياز لطرف او قطب او تيار دون غيره بما يخلق حالة غير صحية ويقف عقبة في تعزيز المشاركة السياسية ويفضي بالنهاية الى اتخاذ قرارات خاطئة من قبل الاغلبية.
حديث وافٍ حمل في طياته افكارا خلاقة تؤسس لنهج عمل فاعل لتجاوز تحديات الاستقطاب والاقصاء، عبر انتهاج طريق يقوم على الاعتدال والوسطية وتقبل الاخر واحترام فكره ورأيه، وصولاً لأرضية مشتركة جوهرها الوحدة والتكامل والتشارك بين شعوب العالم..