تواجه الأمم في نشوئها وارتقائها أزمات متعددة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، والأمم الواعية في سياق تطورها تحاول دائما التعامل مع الازمات باعتبارها حوافز للتطور وليس عقبات تعيق التقدم، الا أن نجاح الامم في التعامل مع الازمات لا يمكن ان يقتصر على توظيف الموارد المالية أو المادية عموما لتجاوز الازمات، بل ان الامم الكبرى التي تجاوزت الازمات الكبرى استندت الى الفكر قبل المادة،؛ وسبب ذلك أن العناصر المادية وحدها تعالج الازمات آنيا وليس استراتيجيا، بمعنى أدق ان الحلول المادية تساعد الامم على تجاوز الأزمات لفترات محدودة، وعلى المستوى الاستراتيجي ينصح منظرو الازمات الكبرى بالتعامل مع الازمات من خلال احتواء الازمات كخطوة سريعة، ومن ثم الانتقال الى منهج جديد يعتمد الفكر والعلم لوضع خطط استراتيجية لمواجهة الازمات على المدى البعيد.
وفي النماذج العالمية الكبرى اعتمدت الامم على الأساليب العلمية في مواجهة الازمات؛ فعلى سبيل المثال ارتكز النموذج الياباني على تبني منهج الجودة الشاملة للخروج من تداعيات الحرب العالمية الثانية، وفي النموذج الاوروبي بعد الحرب العالمية الثانية استند مشروع مارشال لإعادة اعمار اوروبا بعد الانهار الاقتصادي لتلك الدول على ضرورة اعتماد الحلول المتكاملة التي توفر علاجاً ناجحاً للمشكلات الاقتصادية، وليس مجرد التسكين لها، بل أن مشروع مارشال كان يهدف في بعض ابعاده الى مكافحة تغلل الشيوعية في اوروبا بسبب الانهيار الاقتصادي.
وفي النموذجين اعلاه يظهر ان التصدي للازمات الكبرى لا يكون الا من خلال تبني منهج التكفير السليم وهذا يقودنا الى القول إن الازمة التي نشهدها تحتاج الى تبني منهج فكري جديد يعتمد على العلم والمعرفة والابتكار في العمل لتجاوز الازمة الحالية والانتقال الى مرحلة اكثر استقرار وثباتاُ في مواجهة الازمات، وفي ضوء هذا التوجيه من الضرورة بمكان الالتفات الى مبادرات سمو ولي العهد المعظم في تمكين الشباب وتهيئة بيئة مبدعة وداعمه تساعد في اقامة شراكة حقيقية معهم من خلال توفير حاضنات الابداع والتي يمكن من خلالها طرح الحلول الخلاقة لتجاوز الازمة الحالية.
فالمبادرات التي طرحها سمو ولي العهد المعظم تحتاج الى تنسيق الجهود بين شريحتين هما القادة الاكاديميين والشباب لبناء خطة متكاملة لتنفيذ هذه المبادرات من اجل تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية هي تعزيز مشاركة الشباب في الخطط الوطنية وتبني مبادرات الشباب لدعم الانتاج الوطني واخيرا اظهار خصوصية النموذج الاردني في التعامل مع الازمات بما ينسجم مع البيئة الاردنية.
واخيرا قد يشكل هذا المقال اللبنة الاساسية لدعوة القادة الاكاديميين الى أهمية الاقتراب من تلك المبادرات والعمل على بلورتها على شكل خطط عمل يتم تطبيقها على ارض الوقع من أجل الوصول الى منهج جديد في التعامل مع الازمات.