ظاهرة صحية وضرورية تلك الممارسات التي تقوم على انتقاد السياسات الحكومية بهدف ترشيدها أو تسليط الضوء على بعض مكامن الخلل والخطأ التي تحدث هنا وهناك خلال ادارة السلطة التنفيذية لشؤون العامة في أي دولة، فهذا حق مشروع ومصان، يمثل معارضة وطنية «بناءة» تعد لبنة أساسية في ترسيخ قيم الديمقراطية.
الاحتجاج والانتقاد والرفض والتعبير السلمي المطلبي كلها ممارسات ديمقراطية مقبولة ومتعارف عليها من قبل كل النظم الديمقراطية لانها تشكل ظاهرة صحية في كيفية قياس الاثر والتغذية الراجعة التي تكون سبيلاً لتصحيح الاخطاء وتقويم السياسات.
لا يختلف اثنان على ان المعارضة الحقيقية والبناءة هي جوهر الديمقراطية وهي الاساس المتين للحفاظ على الدول والاوطان ضمن أطر الدساتير والقوانين التي تصون هذه الممارسات السلمية والتي هدفها الصالح العام والمصالح العليا للدولة -أي دولة-.
وعلى العكس تماما يبدو ان هنالك سوء فهم عميق لكيفية الاعتراض والاحتجاج المفضي لتحقيق الغايات المرجوة منه وهو ايصال رسائل ايجابية لصانع القرار والمسؤولين بان ثمة اخطاء وثمة ارتدادات سلبية لقاء هذا القرار وتبعات اخرى لذلك الاجراء او التوجه.
فرق واضح وجلي بين المعارضة البناءة التي تهدف لمعالجة الأخطاء وتصويبها لمصلحة الوطن والمواطن، وبين المعارضة الهدامة التي تتصيد الأخطاء وتبحث عنها بهدف زعزعة امن واستقرار الاوطان وادخالها في نفق العنف والفوضى، بقصد او عن جهل
وهنا فإن أي ممارسة او سلوك يتجاوز هذه الاطر السلمية الحضارية والتي تعكس قوة المعارضة البرامجية والمؤسسية الوطنية والتي تمنح الاعتراض قوة اضافية، يدخل في اطار مختلف تماما، جوهرها ممارسات غير مشروعة ومخالفة للقوانين تندرج تحت مبدأ الهدم لا البناء جوهرها «معارضة مغرضة».
الاحتجاج الحضاري وايصال الرسائل بمختلف الادوات لا يعني ان نستخدم العنف والتخريب وسيلة للفت الانظار بل على العكس انتهاج برنامج عمل احتجاجي مشروع وسليم يحقق المأمول بكل يسر وسهولة،لكن الخروج عن تلك الاطر يدخل في باب الاعمال غير المشروعة والتي ترتب المسؤولية القانونية والجزائية على المتسببين.
احترام الرأي والرأي الاخر والايمان المطلق بأبجديات وأدبيات حرية الرأي والتعبير لا يعني بالضرورة التعدي على الثوابت والقيم الديمقراطية، والابتعاد والجنوح نحو العنف المفضي للضرر بالمجتمع والدولة،والذي لا يخلف وراءه الا الخسائر التي تطال صعد الحياة كافة.
على الجميع ان يعي أن الانتقاد البناء والاعتراض الموضوعي حالة صحية ووجودها في اي مجتمع او اي دولة ضرورة ملحة تمثل وقفة مراجعة وتقييم لأي سياسات أو اجراءات أو قرارات، غير ان ذلك يعني بالتوازي ضرورة تمييز الغث من السمين والمشروع من غير المشروع لنصل بالوطن الى بر الامان بعيداً عن اي شطط وخطر.
ختاماً، حرية التعبير والرأي مصونة وكفلها الدستور الاردني والتشريعات والقوانين فلا خلاف عليها ولا هي مثار جدل وفتاوى،والعنف والشغب وتعطيل الحياة العامة تحت مسمى معارضة سلوك خاطئ وغير مقبول،فلنتبين الابيض من الاسود.
الوطن وأمنه واستقراره ثابت وراسخ يسمو على كل شيء، تلك عقيدة الأردنيين جميعاً، حمى الله الوطن وقيادته وشعبه من كل شر..