مؤلم حد القلق، ما عايشه المجتمع مؤخراً من حوادث وسلوكيات مجنونة وغير سوية، راح ضحيتها ابرياء لا حول لهم ولا قوة، قصص هنا وحوادث هناك يتمحور جلها على تصرفات خارجة عن المألوف ومخالفة لشرائعنا وقيمنا وعاداتنا وأخلاقنا، يقوم عليها نفر لا يمتلكون أدنى معاني الإنسانية.
جرائم قتل متعددة قائمة على عنف مفرط وتفنن في أساليب جرمية بشعة، دون أدنى مبرر،تأذى منها الجميع -الضحايا واسرهم ومجتمعاتهم -، وضربت منظومة القيم لدينا في الخاصرة، ما أصاب المجتمع بحالة من الصدمة والذهول حيال ما يجري، وما هي الدوافع لذلك.
لا يستطيع إنسان سوي أن يتقبل مثل هذه السلوكيات، التي خلقت ارتدادات اجتماعية ونفسية كبيرة على مجتمعنا، وفي الوقت ذاته لا يمكن ان نتخيل أو نتصور ان من يقوم بهذه الافعال البشعة انسان سوي وطبيعي لان اجرامهم يخالف كل المنطق.
عديدة هي الأسباب التي يجد المختصون أنها محفزة ودافعة للقيام بمثل هذه الافعال لارتباطها بابعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية، مرتبطة بمعضلتي الفقر والبطالة او مشاكل كبيرة تعتري منظومة التنشئة الاسرية وغيرها الكثير من الدوافع.
لكن هل لعقل يمكن أن يتقبل ان الفقر او البطالة اساس في ظهور سلوكيات من العنف المتعدد الاشكال ذو الطابع الجرمي لمجرد ان هذا فقير وذلك لا يملك عمل، أكاد اجزم هنا ان هذا ليس مبرراً، فليس من المعقول ان يكون كل فقير وعاطل عن العمل مشروع مجرم، فهنالك أسباب أخرى يجب التنبه لها ومجابهتها بالحلول.
وهنا اتساءل عن قيمنا وأخلاقنا التي يجب أن تردع كل مسيء، أين عاداتنا وتقاليدنا والشرائع السماوية عن مثل هذه السلوكيات، ولماذا لا تنهى المنظومة القيمية أصحاب الجرائم عن القيام بمثل هذه الافعال؟!، لا بد أن هنالك خللاً جوهرياً أصاب هذه المنظومة.
علينا جميعاً أن نسعى لتقييم منظومة التنشئة ومراحلها ومؤسساتها المختلفة بدءاً من اللبنة الأولى «الأسرة»، مروراً بالمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، ونقف وقفة مراجعة عميقة ودقيقة حتى نصل الى المغذيات والدوافع الرئيسية التي تقف وراء كل هذا الشطط في الأجرام.
الكل مطالب بالتوقف عند هذه السلوكيات المنفردة بنظرة شمولية تطال كافة الابعاد والجوانب الحياتية، حتى لا نصل إلى مرحلة الظاهرة التي أن حدثت لا سمح الله ستكون ضربة قاصمة للمجتمع والوطن وسيطال الضرر الجميع.
لا يختلف إثنان أننا نحتاج الى تفعيل ادوات الردع القانوني والعمل على تغليظ العقوبات الخاصة بمثل هذه الجرائم ليكون هؤلاء المجرمون عبرة لغيرهم وبذلك نحقق الردعين العام والخاص وهذا يتطلب تظافر وتوحيد كافة الجهود بين مختلف المؤسسات والجهات ذات العلاقة بالعدالة.
نحن مطالبون اليوم بتعزيز منظومة التنشئة الأسرية، وتجسيد مبدأ التكامل والديمومة بمختلف مراحلها بين المؤسسات المعنية كافة، وعلى رأسها الأسرة التي هي اساس التنشئة واولها وصمام الامان فيها وصولا الى أن تبقى القيم العليا السامية هي الجوهر والرادع الحقيقي لكل شخص عن القيام بمثل هذه الافعال الشنيعة.
إجمالاً، ما نراه ونسمع عنه من جرائم وعنف، مدعاة للقلق، ويتطلب من الجميع الوقوف وقفة جادة وصلبة للوقوف على اسباب هذا العنف، ووضع اليد على الجرح واجتراح الحلول العملية لإيقاف مثل هذه السلوكيات عبر اطفاء مغذياتها ودوافعها، لا هذه قيمنا ولا أخلاقنا وما يحدث غريب عنا، فعلينا أن نتصالح مع انفسنا ونقر بأن ما يحدث خطير، وأننا نخوض معركة «قيم»..