أكدت الأحداث المتسارعة إقليمياً ودولياً خاصة في إطار المشهد المضطرب وشديد الخطورة الذي تعيشه المنطقة وما يحدث من حروب وتوترات مرشحة هي الأخرى للتفاقم، صحة ودقة القراءة الملكية لما يمر به عالمنا من مشكلات وتراجع خطير في منسوب الأمن العالمي، والامكانيات المفتوحة للانزلاق الى حالة من عدم الاستقرار مرشحة هي الأخرى لأخذ العالم دوله والشعوب الى مواجهات واقتتال وحروب لن تستفيد منها سوى القوى الظلامية ومجاميع الارهاب عابر القارات وعديم الانسانية الذي لا دين ولا جنسية لمنظماته وايديولوجيته المعادية لكل ما هو اخلاقي?وانساني وحضاري وديني وقيم عُليا.
من هنا لم يتوقف جلالة الملك عبدالله الثاني منذ سنوات طويلة عن التحذير من مغبة تجاهل القضية الفلسطينية كعنصر رئيس واساسي لا يمكن لمنطقتنا والعالم بأسره ان ينعم بالأمن والسلام وان ينخرط في ورشة التنمية والاصلاح والتعاون وتوفير أسباب التقدم ومغادرة مربع الفقر والتخلف دون ايجاد حل دائم للصراع الفلسطيني الاسرائيلي من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية والتزام مبادرة السلام العربية بكل ما يعنيه ذلك من قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما أكدته معطيات الصراع الممت? لسبعة عقود، والاخفاقات التي نتجت عن عدم تطبيق هذه القرارات واستمرار الحروب والمواجهات وسفك الدماء، بل وفشل كل محاولات الطمس على هذا الصراع او ايجاد بدائل او مشروعات حلول لا تلبث ان تتوارى كونها تجاهلت الحقائق وحاولت القفز عليها واعتماد القوة وسيلة ظن اصحابها انها كفيلة بانهاء الصراع دون ان يترتب عليهم اي مسؤولية سياسية او قانونية او اخلاقية او انسانية.
القضايا الاكثر اهميه وحساسيه في هذه المرحلة، التي كان جلالته أول من لفت اليها حتى قبل اندلاع الازمة الاوكرانية وهي قضايا الأمن الغذائي والمياه والطاقة، يجب ان توليها الدول والحكومات في المنطقة كما العالم الأهمية وتمنحها الأولوية، فمسألة الامن الغذائي التي تم «اكتشافها» بعد أن اندلعت الحرب، ألقت بظلالها على العالم أجمع وبخاصة دول الشرق اوسطية كما افريقيا والتي صارت تعيش حالة من الارباك والتخوف من شبح مجاعة يلوح في الأفق، إذا لم يتم تدارك الأمور وايجاد حلول سريعة تسمح باستيراد الحبوب وفي مقدمتها القمح والذرة?فضلاً عن الزيوت وباقي المواد الاساسية التي باتت شحيحة ما أدى الى ارتفاع اسعارها وما يعقب ذلك من غلاء وتضخّم تعجز دول نامية عديدة عن مواجهة أكلافه وتداعياته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ناهيك عن خطورة التبعات المتعلقة بأمن المياه والطاقة على الدول والشعوب.
هذه التحديات التي اشر إليها جلالة الملك بوضوح وفي اكثر من مناسبة باتت تستدعي ضرورة اهتمام دول المنطقة العربية تحديدا في البحث عن صيغ يمكن ان تفضي الى ايجاد تعاون او شراكات او تكامل أو تكتلات اقتصادية تضع في سلم اولوياتها ايجاد حلول حقيقية ناجعة لقضايا الامن الغذائي والمياه والطاقة.
تبقى الاشارة الى قضية اخرى لم يتردد جلالته في كل مناسبة ومن على كل منبر او مؤتمر او حوار من التحذير من الارهاب والدعوة الى مواجهته على نحو شمولي وجماعي ووفق برامج وخطط دقيقة ومحكمة تحول دون تمدده وتواصل العمل لتجفيف منابعه المالية والتعبوية والاعلامية وتفضح خطابه وتعرّي الايديولوجية الظلامية التي ينهض عليها خطاب الارهاب الذي لا دين ولا قومية ولا جنسية لاصحابه لأن لا هدف لهم سوى سفك الدماء وازهاق الارواح البريئة ونشر الافكار المنحرفة التي تحتكر الحقيقة وتكفر الناس وتسعى الى بث الفرقة بين الشعوب والأمم وداخ? البلد الواحد.
في المجمل.. آن الأوان لأن يُدرك كل من يعنيهم الأمر في منطقتنا والعالم ان التعامل مع الارهاب افراداً وتنظيمات وممولين ومنظّرين ومروجين يحب ألا يتوقف وان يكون وفق رؤية وعملية شمولية مستمرة، وعدم التقاعس او التردّد في سحق هذه الظاهرة وتجفيف منابعها وكل من يساندها بأي شكل من الأشكال، لأن زُمراً ظلامية كهذه لا هدف لها سوى القتل وسفك الدماء وترويع الآمنين وخلق اجواء من الفوضى والرعب وتفريق الصفوف وتقويض الأمن والاستقرار في المجتمعات، فضلاً عن خلق عدم الثقة والوئام بين اتباع الديانات والمذاهب في عالم كعالمنا لم ي?د ثمة فرصة أمامه إذا ما سمح لهؤلاء بأن يكتبوا جدول أعمال المعمورة وان يعيثوا في الارض فساداً وارهاباً.